إعجاز القرآن
من دلائل النبوة
إعجاز القرآن
فقد خرج رجل ما بين قوم من أهل الفصاحة والبيان قد بلغوا من الفصاحة شأوها، فقال لهم إني رسول الله إليكم حقا، لتعبدوه وحده وتتركوا ما كان يعبد آباؤكم من الأوثان، ومن آيات صدق نبوتي هذا القرآن كلام الله الذي أنزله إليكم بلسان عربي مبين، حروفه كحروفكم، فإن كنت كاذبا فأتوا بمثله إن كنتم صادقين كما قال تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ ( ٣٣ ) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ( ٣٤ ) } [سورة الطور] بل قال: { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ( ٨٨ ) } [سورة الإسراء]
فهلا استطاعوا له معارضة، وتنزلا لهم وتأكيدا لتصديق رسوله قال
{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ١٣ ) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ( ١٤ ) } [سورة هود]
فعاندوا ولم يسلموا، فتحداهم أن يأتوا بأقل من ذلك فقال: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٣٨ ) } [سورة يونس]
وقال: { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٢٣ ) } [سورة البقرة]
فوقفوا عاجزين بأن يأتوا بمثل قصار سورة منه في فصاحتها وبلاغتها، فبهتوا ولم يستطيعوا جوابا وقد تحداهم في بضاعتهم، وحرك ما فيهم واستفزهم.
فلم يزيدوا في الجواب عن الصمت، أو التعلق بما لا يتعلق به إلا من أعوزته الحيلة وأفحمته الحجة، من نسبته إلى السحر والجنون، أو أنه مأخوذ من فلان وفلان، أو إلى القتال والحروب.
فإن كان من بشر فلم لا يستطيعونه وهم أهل الفصاحة، وإن كان جنونا أو سحرا فلم هو المستقيم في لفظه، بلغ الفصاحة قمتها، والأحكام أحسنها.
ولم طريق الحرب الوعر الشاق إن كان بإمكانهم إبطال نبوته بمجرد المعارضة، فلما تركوا معارضة اللسان والحروف وحاربوا بالسنان والسيوف، وهم هم أهل معارضة اللسان، وفيهم الخطباء المصاقع والشعراء المفلقون، وفي مجامعهم تقام المعارضات والتحكيم.
وما إعراضهم إلا لعلمهم بأن القرآن معجز لا سيما في نظمه وفيه قال قائلهم: "إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو ولا يعلى عليه"
فالقرآن يضع كل كلمة في موضعها الذي هو لائق بها، وقد جاء بأفصح الألفاظ في أحسن النظوم متضمنا أحسن المعاني، وجمع بين البلاغة والفخامة مع العذوبة والسهولة، وهذا في كل آية من القرآن لا ينزل عن رتبة الفصاحة أبدا وإن تفاوت في مراتبها.
وهذا قد علموه حقا، وكان بعضهم يسترق السمع تعجبا منه، وقد علموا أيضا أنه لا يجدون الإجادة في أفضل قصائدهم من فحول شعرائهم إلا في أبيات معدودة، وما سوى ذلك من أبيات القصيدة، وقصائدهم الأخرى ففيها المتوسط والردي والغث والمستكره.
فثبت أنه معجز ناقض للعادة وأنه في معنى قلب العصى حية وإخراج الناقة من الصخرة، ولذا لم يجرأ كبراؤهم وعقلاؤهم على معارضته، لأنهم علموا قدراتهم أمامه، ولم يتجرأ على ما ظنه معارضة إلا قلة من السفهاء، باللغة العربية جهلاء، حتى جعلوا من أنفسهم أضحوكة الأدباء وفاكهة البلغاء، لقد جاءوا بمعاني قاصرة، وبجمل من أوصاف المعارضات وشروطها خالية، بل هو استراق واقتطاع واحتذاء بما في القرآن مع قصورهم في توظيف معاني كلماتهم، وعدم تنزيلها في منازلها، مع ما فيها من معايب أخر، فظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
:؛
تعليقات
إرسال تعليق