حقيقة التوحيد و الشرك من القرآن
حقيقة التوحيد و الشرك من القرآن
أفلا تتدبرون
من تدبر القرآن بصدق سيعلم حقيقة التوحيد و الشرك، كيف لا، وهما الفاصل بين أهل الجنة والنار، وبالتوحيد والتحذير من الشرك أُرسل جميع الرسل وأُنزلت جميع الكتب { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ( ٣٦ ) } [سورة النحل]
ولتجلية هذه الحقيقة فهذا مثال يسير من ذلك.
- فيقال هل كان مشركوا العرب الذين بعث فيهم النبي ﷺ يشركون مع الله أحدا في الخلق والتدبير وملك النفع والضر من دون الله؟
الجواب قطعا لا، لقول الله تعالى: { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ( ٣١ ) } [سورة يونس]
وغيرها من الآيات الدالة على هذا المعنى من أنهم لا يشركون في توحيد الربوبية.
- إذن فما هو شركهم الذي ذمهم الله به، وجعلهم كفارا من أصحاب النار؟ وذكر أنهم مع إيمانهم بهذا فهم مشركون كما في قوله تعالى: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ( ١٠٦ ) } [سورة يوسف]؟
الجواب هو في قوله تعالى حاكيا عنهم سبب شركهم وهو قوله تعالى: { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ( ٣ ) } [سورة الزمر]
وقوله: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ( ١٨ ) } [سورة يونس]
فجعل شركهم محصورا في اتخاذهم الشفعاء من دون الله فيصرفوا لهم أنواع من العبادات ليقربوهم إلى الله زلفى.
فلم يكن يعبدون غير الله من جهة الإستقلال والتدبير وملك النفع والضر، وإنما يعبدونهم على جهة الوسائط والشفعاء لهم ليقربوهم إلى الله زلفى وترفع حوائجهم إلى الله وتشفع لهم عنده -زعموا -
والله قد سمى فعلهم هذا كذب وكفر كما في آية الزمر وسماه شركا وأنه لا يعلم وجود شفاعة حقيقية من هذا النوع كما في سورة يونس.
- فإن قيل فإن هذا يكون شركا ولا حقيقة له إذا فُعل مع الأصنام والأحجار لا مع الأولياء والصالحين؟
فيقال في الجواب:
أن مشركي العرب كانت لهم معبودات متنوعة ومن ذلك عبادة الأولياء والصالحين والدليل على ذلك قوله تعالى: { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ( ٥٧ ) } [سورة الإسراء]
أي أولئك الذين تدعونهم هم عباد أمثالكم يبتغون إلى ربهم القربى بعبادته وهم في ذلك بين الرجاء والخوف، فلم تدعونهم وتعبدونهم من دون الله، بل كونوا مثلهم في عبادة الله وحده.
ولا إله إلا الله معناها أن لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له لا ملك ولا رسول ولا حجر ولا شجر ولا غيره، ولذلك عندما طرقت هذه الكلمة أسماع المشركين الذين كانوا يقرون بالربوبية عرفوا معناها حقا فقالوا كما أخبر الله عنهم { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ( ٥ ) } [سورة ص]:
وقال الله لنبيه ﷺ { قل الله أعبد مخلصا له ديني ( ١٤ ) فاعبدوا ما شئتم من دونه } [سورة الزمر]
فهذه الآية واضحة بأن العبادة خالصة لله، وأن عبادة كل من دون الله فهي من الشرك كائنا من كان وأياً ما شاؤوا.
- فإن قيل ولكن الدعاء ونداء الصالحين ليس بعبادة؟
فالجواب في قول الله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ( ٦٠ ) } [سورة غافر]
فأمرهم بدعائه ولذا كانت عبادة ومن استكبر عنها قد استكبر عن عبادته، فذكرها أولا باسم الدعاء وثانيا باسم العبادة، وفي الحديث زيادة بيان لهذا المعنى فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ". ثُمَّ قَرَأَ : " { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } ". رواه الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وفي الآية الأخرى قال تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ( ٥ ) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ( ٦ ) } [سورة الأحقاف]
فجعل من دعا غير الله عابد له لأنه ختم بأن المدعوين من دون الله سيكفرون بدعاء من دعاهم وسمى دعائهم ذلك عبادة لهم فقال
"وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ"
بل ذكر سبحانه الإخلاص والشرك في دعاء النداء في قوله تعالى: { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ( ٦٥ ) } [سورة العنكبوت]
فليس بعد هذا البيان بيان، ولا أصدق من الله حديثا ولا أحسن، والقرآن كتاب هداية، فمن تدبره علم التوحيد من الشرك فنجا، ومن جعل على عينه غشاوة وفي أذنه وقر من حقائقه، واتبع قول فلان وفلان من الذين يزينون الشرك في هذه الأمة هلك وأهلك إن لم يتدارك أمره والله المستعان.
ومعاني حقيقة التوحيد ووجوبه وحسنه، وكذلك الشرك وتحريمه وقبحه كثيرة جلية في القرآن، ومن تدبره خرج بمآت الأمثلة، فتدبروها رحمكم الله.
:؛
تعليقات
إرسال تعليق