صفة النزول والرد على افتراء بن بطوطة على ابن تيمية.
إثبات صفة النزول، والرد على ابن بطوطة في ما افتراه على ابن تيمية رحمه الله:
صفة النزول من الصفات الفعلية الخبرية لله، فهي تتعلق بمشيئته وحكمته.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ ". متفق عليه.
قال ابن القيم كما في مختصر الصواعق:
"إن نزول الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا قد تواترت الأخبار به عن رسول الله ﷺ، رواه عنه نحو ثمانية وعشرين نفسا من الصحابة، وهذا يدل على أنه كان يبلغه في كل موطن ومجمع" اهـ
قال الدارمي( تـ: ٢٨٠هـ) في كتابه الرد على الجهمية:
"فهذه الأحاديث قد جاءت كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالى في هذه المواطن، وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا، لا ينكرها منهم أحد ولا يمتنع من روايتها، حتى ظهرت هذه العصابة فعارضت آثار رسول الله ﷺ برد، وتشمروا لدفعها بجد"اهـ
وقال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي
"واعلم أن السلف الصالح ومن سلك سبيلهم من الخلف متفقون على إثبات نزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا" اهـ
فأهل السنة يؤمنون بهذه الصفة على حقيقتها، من غير تعطيل لمعناها ولا تحريف، ولا يفوضون معناها، ولكن لا يكيفون صفة النزول ولا يمثلونها بخلقه.
قال ابن خزيمة(تـ: ٣١١هـ) في كتاب التوحيد:
"نشهد شهادة مقر بلسانه، مصدق بقلبه، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نُزول الرب، من غير أن نصف الكيفية؛ لأنَّ نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا، وأعلمنا أنه يَنْزل، والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه عليه السلام بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم؛ فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النُّزول، غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النُّزول" اهـ
وقال الدارمي( تـ: ٢٨٠هـ) في كتابه الرد على الجهمية:
"فقالوا: كيف نزوله هذا؟ قلنا: لم نكلف معرفة كيفية نزوله في ديننا، ولا تعقله قلوبنا، وليس كمثله شيء من خلقه فنشبه منه فعلا أو صفة بفعالهم وصفتهم، ولكن ينزل بقدرته ولطف ربوبيته كيف يشاء، فالكيف منه غير معقول، والإيمان بقول رسول الله ﷺ في نزوله واجب، ولا يسأل الرب عما يفعل كيف يفعل وهم يسألون، لأنه القادر على ما يشاء أن يفعله كيف يشاء، وإنما يقال لفعل المخلوق الضعيف الذي لا قدرة له إلا ما أقدره الله تعالى عليه: كيف يصنع؟ وكيف قدر؟" اهـ
- ولا منافاة بين نزول الرب وعلوه، لأنه ليس كمثله شيء سبحانه، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
"يقال: ينزل نزولا ليس كمثله شيء نزل نزولا لا يماثل نزول المخلوقين نزولا يختص به كما أنه في ذلك وفي سائر ما وصف به نفسه ليس كمثله شيء في ذلك. وهو منزه أن يكون نزوله كنزول المخلوقين وحركتهم وانتقالهم وزوالهم مطلقا لا نزول الآدميين ولا غيرهم. فالمخلوق إذا نزل من علو إلى سفل زال وصفه بالعلو وتبدل إلى وصفه بالسفول وصار غيره أعلى منه. والرب تعالى لا يكون شيء أعلى منه قط بل هو العلي الأعلى ولا يزال هو العلي الأعلى مع أنه يقرب إلى عباده ويدنو منهم وينزل إلى حيث شاء ويأتي كما شاء. وهو في ذلك العلي الأعلى الكبير المتعالي علي في دنوه قريب في علوه. فهذا وإن لم يتصف به غيره فلعجز المخلوق أن يجمع بين هذا وهذا. كما يعجز أن يكون هو الأول والآخر والظاهر والباطن" اهـ
* فائدة في بيان كذب ابن بطوطة على ابن تيمية في صفة النزول قال:
"وكنت إذ ذاك بدمشق، فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويُذكرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر"
وهذا كذب شنيع على شيخ الإسلام ويدل عليه:
- أنه في تاريخ دخول ابن بطوطة دمشق كان ابن تيمية مسجونا له قرابة الشهر وبقي في سجنه ذاك حتى مات رحمه الله بعد سنتين وزيادة، فكيف رآه ابن بطوطة وسمع منه ذلك الكلام.
- القصة التي ذكرها ابن بطوطة لم يذكر أحد من أهل التاريخ والسير مثلها ولا نحوها عن ابن تيمية، مع أنه ذكر أنه كان يقول ذلك على منبر الجامع أمام حشد من الناس والفقهاء.
إلا إن ابن حجر ذكر في الدرر الكامنة عن جماعة من خصوم ابن تيمية أنهم "ضبطوا عليه كلمات في العقائد مغيرة ، وقعت منه في مواعظه وفتاويه ، فذكروا أنه ذكر حديث النزول ، فنزل عن المنبر درجتين فقال : كنزولي هذا ، فنسب إلى التجسيم"اهـ
فهو نقله عن بعض خصومه وذكر أنها مغيرة، ولعلها أخذت من كلام ابن بطوطة أو أن ابن بطوطة استفادها من بعض خصوم ابن تيمية.
- رحلة ابن بطوطة تضمنت قصص هي من الكذب قطعا منها ما ذكر أنه وجد في بعض الجزر نساء ذوي ثدي واحدة وغيرها من الخرافات
وقد كذبه جماعة من العلماء منهم البلفيقي كما ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة، ومنهم ابن خلدون في تاريخه
- وهو كان من الخرافيين القبوريين.
قال عبد الكريم الخضير عن رحلته: "ومن أراد أن ينظر إلى وقوع الشرك في هذه الأمة وافتتانهم بالقبور والأضرحة فليقرأ ما كتبه الرحالون لا سيما ابن بطوطة، يقرأ ليحمد الله -جل وعلا- على هذه النعمة نعمة التوحيد، يعني ما يمر ببلد إلا ويذهب إلى ما فيه من أضرحة ويتمرغ فيها، ويسأل الشفاء، ويسأل العفو والمغفرة -نسأل الله السلامة والعافية" اهـ
- كلام ابن تيمية نفسه صريح في رد هذه التهمة ومنها:
• ماجاء في مجموع الفتاوى: " فَالْقَوْلُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَالْقَوْلِ فِي بَعْضٍ. وَمَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ؛ وَلَا تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ. فَلَا يَجُوزُ نَفْيُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ؛ وَلَا يَجُوزُ تَمْثِيلُهَا بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ؛ بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ"اهـ
• وقال فيه: "ونزوله واستواؤه ليس كنزولنا واستوائنا"اهـ
وقال فيه: "وهو منزه أن يكون نزوله كنزول المخلوقين وحركتهم وانتقالهم وزوالهم مطلقا لا نزول الآدميين ولا غيرهم" اهـ
• وقال فيه أيضا: "فمن قال: إن علم الله كعلمي أو قدرته كقدرتي أو كلامه مثل كلامي أو إرادته ومحبته ورضاه وغضبه مثل إرادتي ومحبتي ورضائي وغضبي أو استواءه على العرش كاستوائي أو نزوله كنزولي أو إتيانه كإتياني ونحو ذلك فهذا قد شبه الله ومثله بخلقه تعالى الله عما يقولون وهو ضال خبيث مبطل بل كافر" اهـ
• وله في موضوع النزول كتاب مستقل اسمه (شرح حديث النزول) وليس فيه ما ذكره ابن بطوطة، بل فيه ما يرد عليه.
والله أعلم.
تعليقات
إرسال تعليق