محالات العقول ومحاراتها
محالات العقول ومحاراتها
قال ابن تيمية في درء التعارض:
"ونحن نعلم أن الرسل لا يخبرون بمحالات العقول بل بمحارات العقول، فلا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته"اهـ
وقال فيه أيضا:
"فإن الرسول لا يجوز عليه أن يخالف شيئاً من الحق، ولا يخبر بما تحيله العقول وتنفيه. لكن يخبر بما تعجز العقول عن معرفته فيخبر بمحارات العقول، لا بمحالات العقول"اهـ
وقال في الفتاوى:
"والرسل جاءت بما يعجز العقل عن دركه، ولم تأت بما يعلم بالعقل امتناعه"اهـ
وقال في الجواب الصحيح:
"يجب الفرق بين ما يعلم العقل بطلانه وامتناعه، وبين ما يعجز العقل عن تصوره ومعرفته.
فالأول: من محالات العقول، والثاني من محارات العقول، والرسل يخبرون بالثاني.
وأما الأول: فلا يقوله إلا كاذب ولو جاز أن يقول هذا، لجاز أن يقال: إن الجسم الواحد يكون أبيض أسود في حال واحدة، وإنه بعينه يكون في مكانين، وإن الشيء الواحد يكون موجودا معدوما في حال واحدة، وأمثال ذلك مما يعلم العقل امتناعه.
وقول النصارى مما يعلم بصريح العقل أنه باطل، ليس هو مما يعجز عن تصوره." اهـ
وبهذا تعلم أن قول النصارى أن التثليث أمر غيبي يجب الإيمان به فهو باطل لأنه من محالات العقول وليس من محاراتها
فـ(١+١+١=١) فهو من المستحيل الممتنع لذاته.
"يقولون: إن وحدانية الله وحدانية حقيقة، وكذلك تثليثه، فهو واحد حقيقي، وهو في الوقت نفسه ثلاثة حقيقية، حيث يتميز كل واحد من هؤلاء الثلاثة بأعمال ومميزات ليست من مميزات الآخـر، وهم في نفس الوقت واحد في جوهرهم، أي: أن لهم ذاتاً واحدة، وهم متساوون في قدرتهم، ومجدهم، ووجودهم، لم يسبق أحد منهم الآخر. ...
فقولهم في التثليث جمع بين الضدين؛ لأن الوحدانية تنفي الشرك، والشرك ينفي الوحدانية، فلا يمكن أن تجتمع الوحدانية والشرك في مكان واحد، بل هما ضدان لا يجتمعان كالسواد والبياض" [موقع الدرر السنية]
والأمر الآخر أن ما صح وروده عن الأنبياء فيجب الإيمان به وإن لم نفهمه، ولكن هو قطعا ليس من المحالات، ولكن إن لم يكن الخبر مصدره الشرع، بل مجرد استحسان أو بدعة توارثها قوم كالتثليث عند النصارى مثلا، فلا يقبل حتى يعقل.
ففرق بين النقل والعقل في هذا، فالتسليم للنقل، والتحقيق للعقل، مع القطع أن ما صح في النقل لا يعارض صريح العقل
قال في الجواب الصحيح:
"ما يعجز العقل عن تصوره إذا أخبرت به الأنبياء قبل منهم؛ لأنهم يعلمون ما يعجز غيرهم من معرفته.
وهذه الأقوال لم يقل الأنبياء شيئا منها، بل نفس فرق النصارى قالوها بآرائهم، وزعموا أنهم استنبطوها من بعض ألفاظ الكتب" اهـ
وبهذا يعلم أن محاولة النصارى التشبه بالمسلمين في قولهم في صفات الله(إن العقول لا تدرك كيفيتها) أنه:
"تلبيس وتدليس منهم؛ لأن إثبات صفات الله عزَّ وجلَّ أمر يقبله العقل، بل يوجبه العقل ولا يرفضه، وعدم إدراك كيفيتها يتلاءم مع مستوى علم الإنسان بالله عزَّ وجلَّ، ومن هذا الباب كثير من الغيبيات التي يؤمن الإنسان بها وفق نصوص الشرع ويقبلها العقل، مثل ما ورد عن الجنة، والنار، وعذاب القبر وغيرها. وذلك يختلف تماماً عن التثليث الذي يزعمه النصارى وهو: أن الثلاثة الحقيقية هي الواحد الحقيقي، والواحد الحقيقي هو الثلاثة، فهذا ما لا يطيق العقل قبوله، وفهمه" [موقع الدرر]
وأخيرا قال ابن تيمية في الرسالة العرشية عن من ظن وجود التعارض بين العقل والنقل:
"وإنما يظن تعارضها: من صدَّق بباطل من النقول، أو فهم منه ما لم يدل عليه، أو اعتقد شيئا ظنه من العقليات وهو من الجهليات، أو من الكشوفات وهو من الكسوفات إن كان ذلك معارضا لمنقول صحيح وإلا عارض بالعقل الصريح، أو الكشف الصحيح، ما يظنه منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون كذبا عليه، أو ما يظنه لفظا دالا على شيء ولا يكون دالا عليه"اهـ
:؛
تعليقات
إرسال تعليق