الحد بين النفي والإثبات
الحد بين النفي والإثبات
📍"سُئل الإمام عبد الله بن المبارك (تـ: ١٨١هـ)
كيف نعرف ربنا؟
فقال: هو على العرش فوق سبع سموات، وعلمه وأمره في كل موضع.
فقيل له: بحد؟
قال: بحد، ولا نقول كما تقول الجهمية، إنه هاهنا وهاهنا في الإرض"اهـ
انظر السنة لعبد الله بن الإمام أحمد وغيره من كتب السلف.
🔻مسألة الحد:
الحد من الألفاظ المجملة التي ليس لها ورود في النصوص الشرعية لا نفيا ولا إثباتا.
وموقف أهل السنة من الألفاظ المجملة أنهم لا يثبتونها ولا ينفونها حتى يعرفوا المراد منها فإن كان حقا قبلوه وإن كان باطلا ردوه.
وما قبلوه يذكرونه من باب الخبر عند الحاجة.
🔹وعليه فالحد بمعنى أن الله بائن من خلقه بحد فاصل بينه وبين المخلوقات، يتميز به عنهم فهو حق، ويخبر به عن الله من غير إثبات أنها من صفات الله، كما قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية: " هذا اللفظ لم نثبت به صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة ؛ بل بيّنّا به ما عطله المبطلون من وجود الرب تعالى ومباينته لخلقه وثبوت حقيقته " اهـ
وهذا هو مراد ابن المبارك هنا، وهو قد احتاج إلى هذه اللفظة ليرد على باطل الجهمية القائلين بأنه في كل مكان، فبين بأنه في العلو غير حال في خلقه ولا متحد بهم.
قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية:
"ولما كان الجهمية يقولون ما مضمونه : إن الخالقَ لا يتميّز عن الخلقِ ، فيجحدون صفاته التي يتميّز بها ، ويجحدون قدره ، فبيّن ابن المبارك أنّ الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه ، منفصلٌ عنه ، وذكر الحدّ لأن الجهمية كانوا يقولون : ليس له حدٌّ ، وما لا حدّ له لا يباينُ المخلوقاتِ ، ولا يكون فوق العالم ، لأن ذلك مستلزم للحدِّ ، فلما سألوا أمير المؤمنين عبد الله بن المبارك : بماذا نعرفه ؟ قال : بأنه فوق سماواته ، على عرشه ، بائن من خلقه ، فذكروا لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية ، وبنفيهم له ينفون ملزومه الذي هو وجوده فوق العرشِ ، ومباينته للمخلوقات ، فقالوا له : بحدٍّ ؟ قال : بحدّ ." اهـ بشيء من الإختصار.
🔹وكذلك من الحق إن يراد بإثبات الحد أن لله حدا لا يعلمه إلا هو، وهو لا يتنافى مع المعنى السابق.
قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية:
"وهذا المحفوظ عن السلف والأئمة من إثبات حد لله في نفسه، قد بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك"اهـ
قال الإمام الدارمي (تـ : ٢٨٠هـ)في نقضه على المريسي:
"والله تعالى له حد لا يعلمه أحد غيره، ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده في نفسه، ولكن يؤمن بالحد ويكل علم ذلك إلى الله، ولمكانه أيضا حد وهو على عرشه فوق سماواته فهذان حدان اثنان"اهـ
🔸وأما جاء عن بعض السلف من نفي الحد، فليس مرادهم فيه المعنى الباطل، بل مرادهم أنه سبحانه لا يحده العباد ولا يدركونه ولا يحيطون به علما، وهذا حق والله ينزه عن الحد بهذا المعنى
قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية في توجيه قول النافين من أهل السنة
"أنه نفى أن العباد يحدون الله تعالى أو صفاته بحد أو يقدرون ذلك بقدر أو أن يبلغوا إلى أن يصفوا ذلك وذلك لا ينافي ما تقدم من إثبات أنه في نفسه له حد يعلمه هو لا يعلمه غيره أو أنه هو يصف نفسه وهكذا كلام سائر أئمة السلف يثبتون الحقائق وينفون علم العباد بكنهها" اهـ
وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية:
"ومن المعلوم أن الحد يقال على ما ينفصل به الشيء ويتميز به عن غيره، والله تعالى غير حال في خلقه، ولا قائم بهم، بل هو القيوم القائم بنفسه، المقيم لما سواه. فالحد بهذا المعنى لا يجوز أن يكون فيه منازعة في نفس الأمر أصلا، فإنه ليس وراء نفيه إلا نفي وجود الرب ونفي حقيقته. وأما الحد بمعنى العلم والقول، وهو أن يحده العباد، فهذا منتف بلا منازعة بين أهل السنة"اهـ
▪️وأما المعاني الباطلة في الحد فهي في الإثبات بمعنى أن يحده العباد، وفي النفي يريدون به أن الله في كل مكان.
وهذان المعنيان باطلان بإجماع أهل السنة والجماعة، وهما غير مرادين في نفيهم وإثباتهم للحد من غير خلاف بينهم.
والله أعلم وأحكم.
تعليقات
إرسال تعليق