قياس الأولى من دلائل كمال صفات الله
الأدلة العقلية النقلية على أصول الإسلام (٩)
من الأدلة النقلية العقلية على كمال صفات الله:
قياس الأولى:
وهو أن الخالق أولى من المخلوق بالكمال في النفي والإثبات، وهو القياس الوحيد الواجب استعماله في حق الله، ويحرم استعمال غيره من الأقيسة.
ويستعمل قياس الأولى للدلالة على كمال صفات الله من طريقين:
أ- من طريق دلالة الأثر على المؤثر:
فكل كمال ثبت للمخلوق، ولم يستلزم نقصا للخالق، فالخالق أحق به وأولى بالاتصاف بكماله المطلق، لأنه واهبه، ومن التناقض أن يهب الخالق للمخلوق الكمال ولا يتصف هو به.
ويدل عليه قوله تعالى: {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت].
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: " فالاستدلال بالأثر على المؤثر أكمل كقوله تعالى {وقالوا من أشد منا قوة} قال الله تعالى {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة.} وهكذا كل ما في المخلوقات من قوة وشدة تدل على أن الله أقوى وأشد وما فيها من علم يدل على أن الله أعلم وما فيها من علم وحياة يدل على أن الله أولى بالعلم والحياة.
وهذه طريقة يقر بها عامة العقلاء حتى الفلاسفة يقولون: كل كمال في المعلول فهو من العلة" اهـ
وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى أيضا في ضابطه: "من جعل غيره على صفة من صفات الكمال فهو أولى باتصافه بصفة الكمال من مفعوله، وأما صفات النقص فلا يلزم إذا جعل الجاعل غيره ناقصا أن يكون هو ناقصا، فالقادر يقدر أن يعجز غيره ولا يكون عاجزا، والحي يمكنه أن يقتل غيره ويميته ولا يكون ميتا، والعالم يمكنه أن يجهل غيره ولا يكون جاهلا، والسميع والبصير والناطق يمكنه أن يعمي غيره ويصمه ويخرسه ولا يكون هو كذلك، فلا يلزم حينئذ أن من جعل غيره ظالما وكاذبا أن يكون كاذبا وظالما لأن هذه صفة نقص" اهـ
فالشرط المقصود في كمال المخلوق ألا يستلزم نقصا في حق الخالق.
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: "من الكمالات ما هو كمال للمخلوق وهو نقص بالنسبة إلى الخالق وهو كل ما كان مستلزما لإمكان العدم عليه المنافي لوجوبه وقيوميته أو مستلزما للحدوث المنافي لقدمه أو مستلزما لفقره المنافي لغناه" اهـ
ب- دليل الترجيح والتفضيل:
وهو من قياس الأولى أيضا، "ويستند هذا الأصل من الدلالة إلى التلازم الضروري بين إثبات وجود الله تعالى، وبين إثبات الكمال المطلق لله تعالى، وذلك أنه لا يتصور إثبات وجود الله تعالى إلا من حيث إنه الكامل المطلق المتصف بجميع صفات الكمال" [المعرفة في الإسلام للقرني]
فهو قائم على أن كل كمال ثبت للمخلوق المحدَث الممكن، فثبوته للخالق الواجب من باب أولى، فطرة وعقلا.
ويدل عليه قوله تعالى: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل]. وقوله: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم].
قال ابن القيم عن المثل الأعلى كما في الصواعق المرسلة: "المثل الأعلى وهو الكمال المطلق المتضمن للأمور الوجودية والمعاني الثبوتية التي كلما كانت أكثر في الموصوف وأكمل كان أعلى من غيره ولما كان الرب تعالى هو الأعلى ووجهه الأعلى وكلامه الأعلى وسمعه الأعلى وبصره وسائر صفاته عليا كان له المثل الأعلى وكان أحق به من كل ما سواه بل يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى اثنان لأنهما إن تكافآ لم يكن أحدهما أعلى من الآخر وإن لم يتكافئا فالموصوف بالمثل الأعلى أحدهما وحده يستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى مثل أو نظير وهذا برهان قاطع من إثبات صفات الكمال على استحالة التمثيل والتشبيه فتأمله فإنه في غاية الظهور والقوة" اهـ
وقال ابن تيمية في بيان هذا الطريق والفرق بينه وبين السابق:
"وأما الاستدلال بطريق الأولى فكقوله {ولله المثل الأعلى} ومثل قوله: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم} وأمثال ذلك مما يدل على أن كل كمال لا نقص فيه يثبت للمحدث المخلوق الممكن فهو للقديم الواجب الخالق أولى من جهة أنه أحق بالكمال لأنه أفضل، وذاك [أي دلالة الأثر على المؤثر] من جهة أنه هو جعله كاملا وأعطاه تلك الصفات" اهـ
والحمد لله.
تعليقات
إرسال تعليق