القوي


 خلاصة المعنى للأسماء الحسنى (١٧)

القوي:

الحمد لله القوي، والصلاة والسلام على رسوله الأمي، أما بعد:

فـ(القوي ١٧) من أسماء الله الحسنى، وقد ورد في تسع مواضع من القرآن، جاء مقترنا في أكثرها باسم العزيز، منها قوله تعالى: { إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَاب} [سورة الأنفال:52]. وقوله: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيز} [سورة هود:66]. وقوله: { إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَاب} [سورة غافر:22].


•  المعنى اللغوي:

يدل على الشدة والغلبة والقدرة.

قال الجوهري في الصحاح: "قال الجوهري: "القوة خلاف الضعف، ورجل شديد القوى أي: شديد أسر الخلق" اهـ


•  معناه في حق الله:

له معنيان:

1-  من القوة والشدة وهو ضد الضعف.

قال ابن القيم في المدارج: " ومعناه الموصوف بالقوة" اهـ

2-  من القدرة والغلبة.

قال الزجاج في تفسير الأسماء: "القوي هو الكامل القدرة على الشيء تقول هو قادر على حمله فإذا زدته وصفا قلت هو قوي على حمله وقد وصف نفسه بالقوة فقال عز قائلا {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}" اهـ

وقال الزجاجي في الاشتقاق: " ويقال لمن أطاق شيئًا وقدر عليه: (قد قوي عليه) ولمن لم يقدر عليه (قد ضعف عنه)، فالله عز وجل قوي قادر على الأشياء كلها لا يعجزه شيء منها" اهـ


والمعنيان صحيحان:

قال أبو سليمان الخطابي: "القوي قد يكون بمعنى القادر. ومن قوي على شيء، فقد قدر عليه. وقد يكون معناه: التام القوة، الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال. والمخلوق وإن وصف بالقوة، فإن قوته متناهية. وعن بعض الأمور قاصرة" اهـ 

وقال ابن جرير في تفسيره: " (وهو القوي) الذي لا يغلبه ذو أيد لشدته، ولا يمتنع عليه إذا أراد عقابه بقدرته" اهـ

وقال السعدي: "أي: الذي له القوة والقدرة كلها، الذي أوجد بها الأجرام العظيمة، السفلية والعلوية، وبها تصرف في الظواهر والبواطن، ونفذت مشيئته في جميع البريات، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يعجزه هارب، ولا يخرج عن سلطانه أحد، ومن قوته، أنه أوصل رزقه إلى جميع العالم، ومن قدرته وقوته، أنه يبعث الأموات بعد ما مزقهم البلى، وعصفت بترابهم الرياح، وابتلعتهم الطيور والسباع، وتفرقوا وتمزقوا في مهامه القفار، ولجج البحار، فلا يفوته منهم أحد، ويعلم ما تنقص الأرض منهم، فسبحان القوي المتين" اهـ


قلت في منظومة روضة الموحد 


وهو (القوي) الكامل في القدرةِ

والقـــوة   لا   تنــقـص    بـــذرةِ


•  الفرق بين القدرة والقوة:

ذكر ابن عثيمين في شرح الواسطية: الفرق بين القدرة والقوة فقال: "القدرة يقابلها العجز، والقوة يقابلها الضعف، والفرق بينهما أن القدرة يوصف بها ذو الشعور، والقوة يوصف بها ذو الشعور وغيره.

ثانيًا: أن القوة أخص فكل قوي من ذي الشعور قادر وليس كل قادر قويًا" اهـ

وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: " ولفظ القوة قد يراد به ما كان في القدرة أكمل من غيره؛ فهو قدرة أرجح من غيرها أو القدرة التامة. ولفظ " القوة " قد يعم القوة التي في الجمادات بخلاف لفظ القدرة" اهـ


•  التبرؤ من الحول والقوة.

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى عن معنى لا حول ولا قوة إلا بالله:

"والحركة العامة هي التحول من حال إلى حال؛ ومنه قولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله. وفي " الصحيحين " {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي موسى رضي الله عنه ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: بلى قال: لا حول ولا قوة إلا بالله}. وفي " صحيح مسلم " وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا قال المؤذن... ثم قال: حي على الصلاة؛ فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: حي على الفلاح فقال لا حول ولا قوة إلا بالله ...}. فلفظ الحول يتناول كل تحول من حال إلى حال والقوة هي القدرة على ذلك التحول؛ فدلت هذه الكلمة العظيمة على أنه ليس للعالم العلوي والسفلي حركة وتحول من حال إلى حال ولا قدرة على ذلك إلا بالله. ومن الناس من يفسر ذلك بمعنى خاص فيقول: لا حول من معصيته إلا بعصمته. ولا قوة على طاعته إلا بمعونته. والصواب الذي عليه الجمهور هو التفسير الأول وهو الذي يدل عليه اللفظ فإن الحول لا يختص بالحول عن المعصية وكذلك القوة لا تختص بالقوة على الطاعة بل لفظ الحول يعم كل تحول" اهـ

•  تنبيه على الحوقلة:

فمن الألفاظ القبيحة جدا، بل الكفرية إن قصد معنى ما يقول، وهو نطق البعض لهذه الجملة بقوله: (لا حول لله) ففيها نفي الحول عن الله، فليتنبه من يرجوا الله واليوم الآخر لكلماته، والله المستعان.


•  خاطرة:

يا من عرفت قوة الله، اعرف ضعفك وعجزك، فمهما عظم المخلوق فهو فقير إلى خالقه، ضعيف أمام قوته، {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [سورة فصلت:15].

فلا تعجب بنفسك، ولا تظلم من هو أضعف منك، ولا تخش قوة الظالمين وبطشهم، اعمل بأسباب النصر وتوكل على الله {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز} [سورة الحج:40].

قال ابن القيم في شفاء العليل: " ولو اجتمعت قوى الخلائق على شخص واحد منهم ثم أعطي كل منهم مثل تلك القوة لكانت نسبتها إلى قوته سبحانه دون نسبة قوة البعوضة إلى حملة العرش" اهـ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دليل الخلق والإيجاد

محالات العقول ومحاراتها

مقدمة جواب شبهة التوسل(١)

وجود الأدلة العقلية في الأدلة النقلية

جواب شبهة التوسل النقلية(٢)