عيد الفالنتاين
من المحرمات التي لا يشك فيها من له بصيرة بدين الإسلام عيد الحب المسمى بـ(الفالنتاين) الذي يصادف اليوم الرابع عشر من شهر فبراير من كل عام.
وهو في الحقيقة يناسبه اسم عيد الفاحشة لا الحب.
فالحب الحلال إطاره شرعي، وهو دائم لا تحده الأيام، ووسائله المشروعة كثيرة
وهذا بخلاف عيد الفاحشة المسمى بعيد الحب، وهو عيد نصراني فيه تخليد لذكرى أحد قساوستهم الذي اسمه (فالنتاين) وأعدم في(١٤) فبراير، واختلف في سبب إعدامه ومما جاء في الموسوعة الكاثولوكية: "أنَّ القسيس (فالنتاين)، كان يعيش في أواخر القرن الثالث الميلادي، تحت حكم الإمبراطور الروماني (كلاوديس الثاني). وقد قام الإمبراطور بسجن القسيس؛ لأنه خالف بعض أوامره، وفي السجن تعرّف على ابنةٍ لأحد حراس السجن، ووقع في غرامها وعشقها، حتى إنها تنصَّرتْ، ومعها ستة وأربعون من أقاربها، كلهم تنصّروا، وكانت تزوره ومعها وردة حمراء لإهدائها له. فلما رأى منه الإمبراطور ما رأى، أمر بإعدامه؛ فعلم بذلك القسيس، فأراد أن يكون آخر عهده بعشيقته؛ حيث أرسل إليها بطاقة، مكتوباً عليها:(من المخلص فالنتاين) ثم أُعدِم في الرابع عشر من فبراير سنة 270م" اهـ
وأصل عيد الحب هذا كان موجودا من قبل النصرانية فهو من العقائد الوثنية الرومانية التي تسربت إليهم، فكان عيد الحب عيدا من أعياد الرومان يعبدون فيه آلهة الخصب -تعالى الله عما يشركون- فتسرب إلى النصرانية كغيرها من المعتقدات الوثنية كالتثليث، وجعلوه في يوم إعدام أحد قساوستهم العاشقين.
ومن أسباب تحريمه في الإسلام ما يلي:
١- أنه ابتداع لعيد غير شرعي، وليس في ديننا إلا عيدان الفطر والأضحى كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا ، فَقَالَ : مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ؟ قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْمَ الأَضْحَى ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ ".
فقوله : "أبدلكم" دليل على إبطال كل عيد وإلا لزادهم من أعياد الإسلام دون إبطال الأعياد الحالية
والقاعدة في الباب أن كل قول أو فعل يقصد فيه الزمن ، ويتكرران بعودة ذلك الزمن لا سيما إن ظهرت فيه أعمال أخرى ؛ كالاجتماع لأجله ، والتهاني فيه ، ونحوه فهو عيد محدث في الشريعة.
وللإسلام خصوصية، فلشدة نهيه عن الإحداث والبدع في الدين، وعدم مشابهة الكافرين، فما زال نقيا، بخلاف النصرانية التي تشربت البدع وأحدثتها حتى صار دينا محرفا ودخلتها الوثنية
فتبين أن ما سوى هذين من الأعياد فهي محرمة لا تجوز إقامتها ولا المشاركة فيها.
قال ابن تيمية عن تحريم مشاركتهم في أعيادهم : " لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم ، لا من طعام ولا لباس ولا اغتسال ولا إيقاد نيران ، ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك. ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك ، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار الزينة .
وبالجملة : ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم ، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام ، لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (25/329).
و قال ابن القيم عن التهنئة بأعياد الكفار:
"وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فَعَل؛ فمن هنَّأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه" اهـ
٢- أنه من التشبه بأعداء الله، والتشبه بالكفار لا يجوز كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود: " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"
قال ابن كثير: "فيه دلالة على النهي الشديد، والتهديد والوعيد، على التشبه بالكفار في أقوالهم، وأفعالهم، ولباسهم، وأعيادهم، وعباداتهم، وغير ذلك من أمورهم التي لم تُشرع لنا، ولم نُقرَّر عليها" ا هـ.
وقال ابن تيمية في الاقتضاء ""وأقل أحواله يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51]، فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفرًا" اهـ
ومن صفات المؤمنين عدم مشاركتهم في أعيادهم كما قال تعالى عنهم { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ( ٧٢ ) } [سورة الفرقان] والزور في قول كثير من السلف والخلف أعياد المشركين، وسماه زورا لأن الزور كما قال ابن عطية: "كُلُّ باطِلٍ زُوِّرَ وزُخْرِفَ" وقال ابن القيم أنه "ميل عن الحق الثابت إلى الباطل الذي لا حقيقة له قولًا وفعلًا" وقال: "ولم يقل: بالزور، لأن يشهدون بمعنى: يحضرون. فمدحهم على ترك حضور مجالس الزور، فكيف بالتكلم به، وفعله؟"
فإن مشاركة القوم والتشبه بهم لها تأثير عجيب في الأنفس وهي كما قال ابن تيمية: "والمشابهة في الأمور الظاهرة: توجب مشابهة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي"
٣- أنه من أسباب إشاعة الفاحشة والدعوة إلى الرذيلة والعشق المحرم، ففي هذا اليوم من المفاسد الأخلاقية ما يعلمه كل بصير وما يدركه كل مطلع، حتى أنه في الغرب المنحط يجعلون هذا العيد مناسبة قيمة لممارسة الجنس الحرام، ويوما لتبادل العناق والقبلات في العلاقات المحرمة، وقد قال الله تعالى : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ( ٣٢ ) } [سورة الإسراء] وهؤلاء تجاوزوا الأسوار وانتهكوا الحدود، فالدعوة لهذا العيد وممارسته هو من إشاعة الفاحشة التي توعد الله أهلها بقوله: { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( ١٩ ) } [سورة النور]
إلى غير ذلك من أسباب التحريم من إذابة عقيدة الولاء والبراء، والإنهزامية أمام الكفار مما يوجب نشوتهم وتعاليهم على المسلمين والطمع في استعبادهم إلى آخره.
ولهذا أفتى العلماء الربانيون بحرمة هذا العيد والتحذير منه، ولو نقلنا فتاواهم لطال المنشور، ولكن من أرادها وجدها، ولا تغرنّكم فتاوى المنبطحين للغرب المميعين للدين، فإنهم دعاء على أبواب جهنم.
وقد قال الله تعالى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( ٢ ) }
وعليه فلا ينبغي لمسلم مشاركتهم في هذا العيد ولا معاونتهم فيه بأي وجه كان لا بتهنئة محبوب، ولا بتغيير لون ملابس وتعاليق، ولا ببيع ما يتهيئون به لعيدهم ولا بغير ذلك مما هو مشاركة لهم أو معاونة { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ( ٢ ) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ( ٣ ) } [سورة الطلاق]
والحمد لله الذي عافانا مما ابتلي به كثير من الناس.
تعليقات
إرسال تعليق