المجيد


 

الحمد لله المجيد ذي المجد والعظمة والشرف والثناء الكريم.....     أما بعد

فمن أسماء الله الحسنى: المجيد(١٠)

وقد ورد ذكره في القرآن المجيد مرتين في قول الله تعالى:

{قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ( ٧٣ )} [هود]

وقوله:{ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ( ١٥ )} [البروج] بالرفع على قراءة الجمهور، وأما بالكسر فهي صفة للعرش.

وأما في السنة فقد جاء في أحاديث الصلاة الإبراهيمية المشهورة.


 المعنى اللغوي:

يدل على الشرف والكثرة والسعة والعظمة.

وفعيل من صيغ المبالغة، وهو أبلغ من فاعل. 

قال الخطابي في شأن الدعاء:

"وأصل المجد في كلامهم: السعة. يقال: رجل ماجد إذا كان سخيا واسع العطاء، وفي بعض الأمثال: "في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار" أي: استكثرا منها".

قَالَ ابن الأعرابي "المجد الرفعة والسناء".

وفي مجمل اللغة لابن فارس:" المجد: بلوغ نهاية الرجل في الكرم".

قال البيهقي في الاعتقاد:

" فالمجد في اللغة قد يكون بمعنى الشرف، وقد يكون بمعنى السعة"

وفي الفروق للعسكري: "وأصل الْمجد الْعَظِيم إِلَّا أَنه جرى على وَجْهَيْن عَظِيم الشَّخْص وَعظم الشأن"


 معناه في حق الله:

-  قيل واسع الكرم 

قال الخطابي في شأن الدعاء:

" المجيد هو الواسع الكرم".

وقال الزجاجي في اشتقاق أسماء الله:

"المجيد: الكريم، والمجد: الكرم يقال: اشتقاقه من قول العرب: «أمجدت الدابة علفًا»: إذا أكثرته لها، فكأن المجيد المبالغ في الكرم، المتناهي فيه."


-  وقيل سعة وكثرة الشرف.

قال ابن الأثير في جامع الأصول:

"(المجيد): هو الواسع الكرم، وقيل: هو الشريف."

قال الزجاج في تفسير أسماء الله الحسنى:

"فالماجد في اللغة الكثير الشرف والله تعالى ذكره أمجد الأمجدين وأكرم الأكرمين"


-  وقيل الرفيع العالي.

-  وقيل الكبر من الكبير.

-  وكلها معاني صحيحة في حق الله ويتناولها الاسم.


قال ابن الأثير في النهاية:

"المجد في كلام العرب: الشرف الواسع. ورجل ماجد: مفضال كثير الخير شريف. والمجيد: فعيل منه للمبالغة.وقيل: هو الكريم الفعال.وقيل: إذا قارن شرف الذات حسن الفعال سمي مجدا. وفعيل أبلغ من فاعل، فكأنه يجمع معنى الجليل والوهاب والكريم".

قال ابن القيم في النونية:

وهو المجيد صفاته أوصاف تعـ ... ـظيم فشان الوصف أعظم شانِ

قال ابن عيسى في شرحها:

"فإن الْمجِيد من اتّصف بِصِفَات مُتعَدِّدَة من صِفَات الْكَمَال وَلَفظه يدل على هَذَا فانه مَوْضُوع للسعة وَالْكَثْرَة وَالزِّيَادَة وَمِنْه قَوْلهم فِي كل شَجَرَة نَار واستمجد المرخ والعفار وامجد النَّاقة علفا وَمِنْه رب الْعَرْش الْمجِيد لسعة الْعَرْش وعظمته والعظيم من اتّصف بِصِفَات كَثِيرَة من صِفَات الْكَمَال".

    قال ابن القيم في التبيان:

"وصف نفسه بالمجيد وهو المتضمن لكثرة صفات كماله وسعتها وعدم إحصاء الخلق لها وسعة أفعاله وكثرة خيره ودوامه وأما من ليس له صفات كمال ولا أفعال حميدة فليس له من المجد شيء والمخلوق إنما يصير مجيداً بأوصافه وأفعاله فكيف يكون الرب تبارك وتعالى مجيداً وهو معطل عن الأوصاف والأفعال تعالى الله عما يقول المعطلون علواً كبيراً بل هو المجيد الفعال لما يريد والمجد في لغة العرب كثرة أوصاف الكمال وكثرة أفعال الخير"


 قلت في منظومة روضة الموحد :


وهْو (المجيد) الشَرَفُ والكـرَمُ

وواسـع الصفـات فهو الأعـظمُ


•  فائدة:

ليس الماجد من أسماء الله.


 تمجيد العبد لله:

وفي الحديث القدسي" قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : حَمِدَنِي عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } ، قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي. وَقَالَ مَرَّةً : فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي" الحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة.

وفي حديث فضالة بن عبيد قال: "سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَجِلَ هَذَا ". ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ - أَوْ لِغَيْرِهِ : " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ ". أخرجه أبو داود والنسائي

وللبخاري: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، تَنَادَوْا : هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ ". قَالَ : " فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ". قَالَ : " فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ - وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ - مَا يَقُولُ عِبَادِي ؟ قَالُوا : يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ" الحديث 


قال ابن القيم في كتابه مسألة السماع:

"ولما وصفه سبحانه بتفرده بملك يوم الدين وهو الملك الحق المتضمن لظهور عدله وكبريائه وعظمته ووحدانيته وصدق رسله، سمى هذا الثناء مجدًا، فقال: مجَّدني عبدي، فإن التمجيد هو الثناء بصفات العظمة والجلال".

قال القاضي عياض في شرح مسلم:

"وقوله: " مجدني عبدي " عند قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}: أي عظَّمني، والمجد نهاية الشرف. والفرق بين " حمدني " و " أثنى علىّي " و " مجدني " بيِّنٌ؛ لأن " مجَّد " يقتضى الثناء بصفات الجلال، و " حمد " يقتضى الثناء بحميد الفِعال، و " أثنى " يجمع ذلك كله، وينطلق على الوجهين".

   وقال ابن الأثير في النهاية: "ومنه حديث قراءة الفاتحة «مجدني عبدي» أي شرفني وعظمني".


•  اقتران اسم المجيد بالحميد.

واسمه المجيد لم يقترن إلا مع اسمه الحميد وفي اقترانهما معنى بديع.

قال ابن القيم في جلاء الأفهام:

"الحمد والمجد اليهما يرجع الكمال كله فإن الحمد يستلزم الثناء والمحبة للمحمود فمن احببته ولم تثن عليه لم تكن حامدا له حتى تكون مثنيا عليه محبا له وهذا الثناء والحب تبع للاسباب المقتضية له وهو ما عليه المحمود من صفات الكمال ونعوت الجلال والاحسان إلى الغير فإن هذه هي اسباب المحبة وكلما كانت هذه الصفات اجمع واكمل كان الحمد والحب اتم واعظم والله سبحانه له الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه ما والاحسان كله له ومنه فهو احق بكل حمد وبكل حب من كل جهة فهو أهل أن يحب لذاته ولصفاته ولافعاله ولاسمائه ولاحسانه ولكل ما صدر منه سبحانه وتعالى وأما المجد فهو مستلزم للعظمة والسعة والجلال والحمد يدل على صفات الاكرام والله سبحانه وتعالى ذو الجلال والإكرام وهذا معنى قول العبد لا اله إلا الله والله اكبر ف لا اله إلا الله دال على الوهيته وتفرده فيها فالوهيته تستلزم محبته التامة والله اكبر دال على مجده وعظمته وذلك يستلزم تعظيمه وتمجيده وتكبيره ولهذا يقرن سبحانه بين هذين النوعين في القرآن كثيرا"اهـ


 فائدة جليلة في الفرق بين الحمد والمدح والمجد والثناء:

قال ابن القيم في بدائع الفوائد:

"فنذكر تقسيما جامعا لهذه المعاني الأربعة أعني الحمد والمدح والثناء والمجد فنقول الإخبار عن محاسن الغير له ثلاث اعتبارات اعتبار من حيث المخبر به واعتبار من حيث الإخبار عنه بالخبر واعتبار من حيث حال المخبر فمن حيث الاعتبار الأول ينشأ التقسيم إلى الحمد والمجد فإن المخبر به إما أن يكون من أوصاف العظمة والجلال والسعة وتوابعها أو من أوصاف الجمال والإحسان وتوابعها فإن كان الأول فهو المجد وإن كان الثاني فهو الحمد وهذا لأن لفظ (م ج د) في لغتهم يدور على معنى الاتساع والكثرة فمنه قولهم أمجد الدابة علفا أي أوسعها علفا ومنه مجد الرجل فهو ماجد إذا كثر خيره وإحسانه إلى الناس قال الشاعر:

أنت تكون ماجد نبيل ... إذا تهب شمأل بليل

ومنه قولهم في شجر الغار واستمجد "المرخ" "والعفار" أي كثرت النار فيهما ومن حيث اعتبار الخبر نفسه ينشأ التقسيم إلى الثناء والحمد فإن الخبر عن المحاسن إما متكرر أو لا فإن تكرر فهو الثناء وإن لم يتكرر فهو الحمد فإن الثناء مأخوذ من الثني وهو العطف ورد الشيء بعضه على بعض ومنه ثنيت الثوب ومنه التثنية في الاسم فالمثنى مكرر لمحاسن من يثنى عليه مرة بعد مرة ومن جهة اعتبار حال المخبر ينشأ التقسيم إلى المدح والحمد فإن المخبر عن محاسن الغير إما أن يقترن بإخباره حب له وإجلال أو لا فإن اقترن به الحب فهو الحمد وإلا فهو المدح فحصل هذه الأقسام وميزها ثم تأمل تنزيل قوله تعالى فيما رواه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقول العبد: "الحمد لله رب العالمين فيقول الله حمدني عبدي فإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى علي عبدي لأنه كرر حمده فإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي فإنه وصفه بالملك والعظمة والجلال " رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي"

والحمد لله رب العالمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دليل الخلق والإيجاد

محالات العقول ومحاراتها

مقدمة جواب شبهة التوسل(١)

وجود الأدلة العقلية في الأدلة النقلية

جواب شبهة التوسل النقلية(٢)