المقدمة
سلسلة السرية على الشبهات الشركية (١)
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى. أما بعد.
الأصل في البشرية هو التوحيد ثم لما دخل عليهم الشرك بعث الله إليهم الرسل كما قال الله تعالى : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) البقرة/213
وقال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 30]
وروى مسلم عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ : ( أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا : كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا ).
وهذا التوحيد هو الإسلام العام الذي بُعث به كل الرسل، وذكروا عن أنفسهم أنهم مسلمون كما قال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) آل عمران/19 ، وقال : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85
وقال عن نوح عليه السلام : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يونس/72.
وقال عن إبراهيم : ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) آل عمران/67.
وقال : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) الحج/78
وقال عن موسى ( يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ) يونس/84.
وقال عن يوسف : ( تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) يوسف/101.
وهذا الإسلام هو عبادة الله وحده وترك الشرك فإن الإسلام من الإستسلام والسلامة ومما يبين ذلك قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) [النحل:36]، وقال تعالى (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) [الزخرف: 45]
وهذا أمر مستقر ومعروف وهو ما أمرنا الله بالإجتماع عليه وأن ندعوا إليه ونقاتل عليه وأنّ كل من أباه فهو سبب الخلاف والشقاق كما قال الله تعالى { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ( ٦٤ ) } [سورة آل عمران]
وقال: ﴿وَقَـٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةࣱ وَیَكُونَ ٱلدِّینُ لِلَّهِۖ فَإِنِ ٱنتَهَوۡا۟ فَلَا عُدۡوَانَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [البقرة ١٩٣]
قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري:
"يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم حتى لا تكون فتنة يعني: حتى لا يكون شركٌ بالله، وحتى لا يُعبد دونه أحدٌ، وتضمحلَّ عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكونَ العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان".اهـ
وهذا التوحيد المتمثل في كلمة لا إله إلا الله هو دعوة محمد ﷺ لقومه وهو أصلاح للإرض بعد فسادها بالشرك الذي طرأ كما قال تعالى: ﴿وَلَا تُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَـٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِیب مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [الأعراف ٥٦]
قال ابن جرير:
"يعني تعالى ذكره بقوله:"ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"، لا تشركوا بالله في الأرض ولا تعصوه فيها، وذلك هو الفساد فيها"اهـ
ولأجل أن يدعوهم النبي ﷺ إلى التوحيد ويأمرهم بإخلاص العبادة والدعاء لله وحده حصل ما حصل بينه وبين قومه مما هو معروف في السيرة، حتى نصره الله عليهم ومكّن لكلمة التوحيد في الأرض.
ثم جاء قوم من بعد ما انقضت القرون الثلاثة المفضلة لم يعرفوا دلالة كلمة التوحيد فوافقوا المسلمين لفظا والمشركين فعلا وأرادوا الجمع بين التوحيد والشرك وهما ضدان لا يجتمعان.
وصدق فيهم قول الله { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ( ٤٥ ) } [سورة الزمر]
فما أن يذكر إخلاص الدعاء لله وحده وعدم الاستغاثة بالأموات والغائبين إلا وضاقت أنفسهم ولا ترتاح إلا بذكر دعاء من هو دونه معه.
قال ابن جرير:
" يقول تعالى ذكره: وإذا أفرد الله جل ثناؤه بالذكر، فدعي وحده، وقيل لا إله إلا الله، اشمأزّت قلوب الذين لا يؤمنون بالمعاد والبعث بعد الممات. وعنى بقوله: ﴿اشْمَأَزَّتْ﴾ : نفرت من توحيد الله. ﴿وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ يقول: وإذا ذُكر الآلهة التي يدعونها من دون الله مع الله، فقيل: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى، إذ الذين لا يؤمنون بالآخرة يستبشرون بذلك ويفرحون"اهـ
ولذلك عندما قرعت أسماعهم الدعوة لإخلاص العبادة والدعاء لله ثارت أنفسهم فأثاروا الشبهات الواهية لترقيع شركهم، يتوارثونها فيما بينهم { أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ( ٥٣ ) } [سورة الذاريات]
وقد تم الردود عليها تكرارا ومرارا من أهل التوحيد، ولكن القوم أبوا إلا أن يذكروها كل مرة.
ومن هذه الشبهات ما كتبه أحدهم تعليقا على أحد منشورات التوحيد في صفحتنا على الفيسبوك وظن أنه قد أتى بالقاصمة وألقمنا الحجارة، وتحدى أن نجاوب ولم يتمعن في قول الله تعالى { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ( ٨١ ) } [سورة الإسراء]
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولأن شبهاته ترجع في مجملها إلى ستة شبهات سنفرد لكل جواب شبهة منشورا مستقلا بإذن الله لكي لا يطول المنشور، وستكون الردود في سلسلة تأتي تباعا اسمها السرية على الشبهات الشركية
وسنضيف إليها بعض شبهاتهم المشهورة ونبطلها بإذن الله، مع ذكر مقدمات عن التوحيد في بداية السلسلة، ليتم النفع وتكتمل الفائدة.
ولادّعائهم بأن تسمية فعلهم شركا هو بدعة تيمية أو وهّابية سألتزم بإذن الله عدم النقل عنهما أو ممن هم من بعدهما ليعلم كل من التبس عليه الحق أن الطريق واحد وأنهما متبّعان لا مبتدعان.
وصدق من قال إذا أراد الله إظهار حق أقام له من يعارضه، فعارضنا هذا وأثار فينا الغيرة على التوحيد وكان نتاج ذلك هذه السلسلة أسأل الله يتممها ويبارك فيها.
وهنا أسئلة أريد جوابها بالأدلة من هؤلاء القوم.
ما معنى كلمة لا إله إلا الله؟
ما معنى العبادة؟
هل الدعاء من العبادة؟
ما هو التوحيد الذي أمر الله به؟
ما هو الشرك الذي أنكره النبي ﷺ على قومه؟
وهل يوجد في زماننا من هو واقع في الشرك مع انتسابه للإسلام؟ وما هو هذا الشرك ومن هم المتلبسون به؟
انتظر الأجوبة.
والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق