جواب شبهة التوسل العقلية(٣)
السرية على الشبهات الشركية (6)
بسم الله الرحمن الرحيم
ننتهي -بحمد الله- في هذا المنشور من نقض شبهة التوسل.
وسيكون مضمون هذا الرد على أشهر تعليلاتهم العقلية العليلة في تجويز الاستغاثة بغير الله ودعاؤه من دون الله.
ومضمون شبهتهم العقلية، أنه لتعظيم الله -زعموا- أنه لا يُسأل مباشرة، بل يُجعل بينهم وبينه سبحانه وسائط وشفعاء يدعونهم ويستغيثون بهم فيكونون وسيلتهم إلى الله، وأن هذا من التعظيم لله كما هو حال ملوك الدنيا، فلا يُسألون مباشرة بل عن طريق وزرائهم ونوابهم وحجابهم.
وهذا والله -الذي لا إله إلا هو- من أعظم المخالفة لأمر الله وتنقيصه سبحانه وتعالى كما سيتضح بإذن الله في هذا المنشور.
• أولا: في أنه مخالف لأوامر الله سبحانه وتعالى.
فإن الله سبحانه وتعالى أمر ألا ندعو إلا هو وألا نبتغي الرزق من عند غيره، ونهانا وعظّم النهي في أن ندعوا أحدا دونه، والآيات في ذلك كثيرة وصريحة، ومنها:
{وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِين } [سورة يونس:106].
{وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون } [سورة القصص:88].
{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } [سورة الجن:18].
{إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُون } [سورة العنكبوت:17].
{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَل } [سورة الرعد:14].
{ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ( ٢٠ ) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ( ٢١ ) } [سورة النحل]
{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير } [سورة غافر:20].
{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُون } [سورة الأحقاف:5].
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِير إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ( ١٤ ) } [سورة فاطر].
• ثانيا: في أنه تنقيص للخالق سبحانه وتعالى عما يصفون.
لأن من خصائص الألهية الكمال المطلق الذي يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده سبحانه، فمن جعل شيئا من ذلك لغيره فقد شبه ذلك بمن لا شبيه له، فرفع المخلوق الفقير المحتاج إلى مرتبة الخالق الغني القيوم، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فقد شبهوا الخالق مالك الملك بملوك الدنيا المخلوقين، فجعلوا الله في حاجة الوزراء والحجاب الذين يرفعون إليه حوائج الخلق التي ترفع لهم، وهذا حال ملوك الدنيا الذين يحتاجون إلى وسائط بينهم وبين الرعية لأنهم لا يعلمون حوائجهم إلا بواسطة من يرفع ذلك إليهم، ولا يقدرون على قضائها إلا بمعونة حاشيتهم وأتباعهم، ولا يريدون قضائها إلا لغرض يحصل لهم بسبب ذلك ولحاجتهم لوزرائهم وطاعة رعيتهم لهم، وأما الله فهو عالم السر وأخفى، وقدير لا يعجزه شيء، وغني عن كل ما سواه، فالأسباب منه وإليه سبحانه وتعالى.
ومن هذه الجهتين عُلم ما سبب كون الشرك من أعظم الظلم، لأن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، ولا أعظم من رفع المخلوق إلى منزلة الخالق، أو إنزال الخالق إلى منزلة المخلوق، فتنقص الرب لازم للشرك ضرورة، شاء المشرك أو أبى، ولهذا حكم الله أنه لا يغفر للمشرك، وأنه من الخالدين في النار والعياذ بالله.
• ومن اللطائف ما جاء في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون } [سورة البقرة:186]. فبين أنه قريب مجيب من غير وسائط بيننا وبينه، فلم يقل يارسولي قل لهم أنهم يدعونك في غيبتك أوبعد موتك وأنت تدعوني لأجيب دعوتهم، بل قال " فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" ومن اللطائف هنا أيضا أن هذه الآية هي الوحيدة التي خالفت بقية الايات التي تبدأ بسؤال الناس للنبي صلى الله عليه وسلم بـ"يسألونك" عن اليتامى والأنفال والساعة والروح وغيرها في شيئين:
1- بادر هنا سبحانه بالسؤال والإجابة قبل أن يسألوا فقال" وإذا سألك عبادي عني" بخلاف بقية الآيات ففيها "يسألونك" قالوا فيه إشارة إلى محبة الله أن يُدعى كما دلت عليه الأحاديث.
2- في الآيات الأخرى يكون جواب السؤال بـ"قل" إلا في هذه الآية فلم يقل " قل فإني قريب" بل قال " فإني قريب" للدلالة على قبح الوساطات الشركية والبدعية بينه وبين عباده" فإن حذف الواسطة في كلمة "قل" دلالة كافية لمن لديه عقل.
وفي هذا الكلام المختصر كفاية لمن أراد الله هدايته، فيعلم قبح الشرك، وأن ما استدلوا من أدلة فهي عليهم لا لهم سواء كانت نقلية أو عقلية، وسيتضح ذلك جليا مع إتمام سلسلتنا بإذن الله في رد شبهاتهم.
ولا أريد من رد شبهاتهم إلا ليعلم الموحد متانة دينه ونصاعته، وهشاشة الشرك وركاكته، فلعل بها يثبت الله الموحد ويهدي بعض من ضل
والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق