الواسع
الحمد لله واسع الصفات والنعوت، ووسع كل شيء رحمةً وعلما، والصلاة والسلام على رسوله المبعوث رحمة للعالمين... أما بعد:
فمن أسماء الله الحسنى: "الواسع"(١١)، وقد ورد في تسع آيات من القرآن، واقترن في أكثرها باسمه العليم.
• المعنى اللغوي للاسم
السعة نقيض الضيق، وهو أيضا الطاقة والغنى
• معناه في حق الله
فسره بعض العلم ببعض أنواعه
- فمنهم من قال هو الغني الجواد، الذي وسع رزقه الخلق
قال ابن قتيبة: "ومن صفاته الواسع وهو الغني"
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: "إن الله واسع عليم" أي جواد يسع لما يُسأل"اهـ
قال الخطابي في شأن الدعاء: "الواسع: الواسع هو الغني الذي وسع غناه مفاقر عباده ووسع رزقه جميع خلقه. والسعة في كلام العرب: الغنى. ويقال: الله يعطي عن سعة، أي: عن غنى"اهـ
- ومنهم من قال يسع خلقه بالكفاية والرزق والتدبير.
قال ابن جرير في تفسيره: "إن الله واسع عليم" يعنى جل ثناؤه بقوله (واسع) يسع خلقه كلهم بالكفاية والإفضال والجُود والتدبير"اهـ
- ومنهم من قال هو سعة العلم واحاطته
- ومنهم من قال هي سعة الرحمة
- والصحيح أنه شامل لكل ذلك وزيادة فهو الواسع سبحانه.
قال السعدي في تفسيره:" الواسع الصفات والنعوت ومتعلقاتها بحيث لا يحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، واسع العظمة والسلطان والملك، واسع الفضل والإحسان، عظيم الجود والكرم"اهـ
وقال في المقصد الأسنى للغزالي:
" "الواسع" مشتق من السعة والسعة تضاف مرة إلى العلم إذا اتسع وأحاط بالمعلومات الكثيرة ، وتضاف أخرى إلى الإحسان وبسط النعم ، وكيفما قدر وعلى أي شيء نزل فالواسع المطلق هو الله تعالى ، لأنه إن نظر إلى علمه فلا ساحة لبحر معلوماته ، بل تنفد البحار لو كانت مدادًا لكلماته ، وإن نُظِر إلى إحسانه ونعمه فلا نهاية لمقدوراته وكل سعة وإن عَظُمَت فتنتهى إلى طرف والذى لا ينتهى إلى طرف هو أحقّ باسم السعة والله تعالى هو الواسع المطلق ، لأن كل واسع بالإضافة إلى ما هو أوسع منه ضيق ، وكل سعة تنتهى إلى طرف فالزيادة عليها متصورة ، وما لا نهاية له ولا طرف فلا يُتَصوَّر عليه زيادة"اهـ
- فمن سعة جوده وكرمه قول الله تعالى: { إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( ٣٢ ) } [النور]
- ومن سعة علمه ورحمته قوله تعالى: { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا } [غافر]
- ومن سعة مغفرته قوله: { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } [النجم]
- ومن سعة كلماته قوله: { قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ( ١٠٩ ) } [الكهف]
• قلت في منظومة روضة الموحد
(والواسع) فواسعُ الصفاتِ
وأنـه قـد عـمّ المخـلوقـاتِ
بعلمـه والرحمـة والمنفعةْ
وأنـه غنيٌ يعطـي عن سعةْ
• وختاما قال السعدي في فتح الرحيم عن اسم الواسع:
"أي واسع الصفات والنعوت ومتعلقاتها، بحيث لا يحصى أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، واسع العظمة والسلطان والملك، فجميع العوالم العلوية والسفلية الظاهرة والباطنة كلُّها لله. قال تعالى: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:115]. وواسع العلم والحكمة، وعام القدرة، ونافذ المشيئة، وواسع الفضل والإحسان والرحمة، {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً} [غافر:7].
ومن لطائف التعبد لله باسمه الواسع، أنَّ العبد متى علم أنَّ الله واسع الفضل والعطاء وأنَّ فضَله غير محدود بطريق معين، بل ولا بطرق معينة، بل أسباب فضله وأبواب إحسانه لا نهاية لها أنَّه لا يعلق قلبه بالأسباب،بل يعلقه بمسببِّها، ولا يتشوش إذا انسدَّ عنه باب منها، فإنَّه يعلم أنَّ الله واسع عليم، وأنَّ طرق فضله لا تعد ولا تُحصى، وأنَّه إذا انغلق منها شيء انفتح غيره مما قد يكون خيرًا وأحسن للعبد عاقبة.
قال تعالى مشيرًا إلى هذه الحال التي كثير من الناس لا يوفقون لها، {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ} [النساء:130]، لما كانت هذه الحال وهي حال الفراق يغلب على كثير من الزوجات الحزن، ويكون أكبر داع لهذا الحزن ما تتوهمه من انقطاع رزقها من هذه الجهة التي تجري عليها، فوعد الله الجميع وبشّرهم بفتح أبواب الخير لهم، وأنَّه سيعطيهم من واسع فضله.
وكم من عبد بهذه المثابة له سبب وجهة من الجهات التي يجري عليه الرزق، فانغلقت ففتح الله له بابًا أو أبوابًا من الرزق والخير. وبهذا يُعْرَفُ الله ويُعْلَمُ أنَّ الأمور كلَّها منه، وأنَّه {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} [فاطر:2].
ومن سعته وفضله: مضاعفة الأعمال والطاعات، الواحدة بعشر إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة بغير عد ولا حساب. ومن سعته: ما احتوت عليه دار النعيم من الخيرات، والمسرَّات والأفراح واللذات المتتابعات،مما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فخير الدنيا والآخرة وألطافهما من فضله وسعته، وجميع الأسباب والطرق المفضية إلى الراحات والخيرات كلُّها من فضله وسعته."اهـ
والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق