الواحد - الأحد









سلسلة: خلاصة المعنى للأسماء الحسنى (٥)

الحمد لله الواحد الأحد الذي خلقنا لعبادته وأمرنا بتوحيده، والصلاة والسلام على رسوله الذي دعا إلى ذلك وجاهد .. أما بعد:
فمعنا اسمان من  أسماء الله الحسنى وهما الواحد(٤) والأحد(٥)

- وهذان اسمان عظيمان من أسماء الله وردا في الكتاب والسنة.
فاسم الواحد ورد في أكثر من عشرين موضعا في القرآن، ولم يجيء مقترنا فيه إلا باسم القهار في ستة مواضع، وفيه لطيفة سنذكرها إن شاء الله.
- وأما اسمه الأحد فلم يجيء إلا في موضع واحد من القرآن، وجاء في السنة النبوية في مواضع، وجاء مقترنا باسم الصمد وفيه لطيفة أيضا سنذكرها بإذن الله.

* في القرآن جاء اسمه الواحد
- في سياق توحيد الألوهية بأنه واحد في عبادته، والرد على المشركين الذين جعلوا معه آلهة أخرى فقال: {أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لَّا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام:١٩] وقال: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل:٥١] وقال: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} [الصافات] أي معبودكم.
- وجاء أيضا في سياق الرد على النصارى الذين قالوا أن له  زوجة أو ولدا أو قولهم بالتثليث فقال: {لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الزمر] وقال: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء]
فلو كان له ولدا أو معه غيره لكانوا يستحقون العبادة معه، وهو سبحانه لا شريك له ولا ند ولا نظير سبحانه.
- وجاء أيضا في سياق أن الحكم والتشريع له وحده، فلا يطاع في التحليل والتحريم غيره فقال: 
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة] وفي تفسيرها أنهم أطاعوهم في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل سبحانه.
-وجاء أيضا في سياق أنه الخالق والمالك فلا إله إلا هو سبحانه.
- ودليله من السنة: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : " أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ ؟ " فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا : أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : " اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ ". رواه البخاري
•  وأما الأحد فجاء في سورة الإخلاص: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [الإخلاص] وجاء في مواضع في السنة منها: مارواه أبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " قَالَ اللَّهُ : كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ : لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي. وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ : اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا. وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ ".رواه البخاري
وعن بريدة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. فَقَالَ : " لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ".رواه أبو داود وغيره

 معنى الاسم في اللغة:
يدل على الانفراد، وعدم المماثلة.
-  فالواحد: يكون بمعنى الفرد الأول، الذي لا نظير له ولا ند، فيقال فلان واحد قومه في الشجاعة أو الشرف أي لا نظير له في ذلك.
-  والأحد: قيل هو بمعنى الواحد، وقيل بل هو أبلغ، ويفرقون بينهما من وجوه: أن الواحد اسم لمفتتح العدد، فيقال واحد واثنان وثلاثة، أما الأحد فينقطع معه العدد.
وأن الأحد في النفي أعم من الواحد، ففرق بين قول ليس في الدار واحد، وقول ليس في الدار أحد، ففي الأول لا يكون فيه واحد، لكن قد يكون فيه اثنان أو ثلاثة أو أكثر، وفي الثاني فهو نفي وجود الجنس بالمرة فليس فيها أحد ولا اثنان ولا ثلاثة ولا أكثر ولا أقل.

- قال أبو إسحاق الزجاج في تفسير أسماء الله الحسنى عن الواحد:
"وضع الْكَلِمَة فِي اللُّغَة إِنَّمَا هُوَ للشَّيْء الَّذِي لَيْسَ بِاثْنَيْنِ وَلَا أَكثر مِنْهُمَا" اهـ
قال ابن الأثير في النهاية عن اسم الله الواحد:
"هو الفرد الذي لم يزل وحده، ولم يكن معه آخر" اهـ
وقال الأزهري في تهذيب اللغة:
"والواحد في صفة الله معناه أنه لا ثاني له" اهـ

 معناه في حق الله:
أنه لا ند له ولا نظير في ذاته وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، فهو دال على التوحيد بأنواعه الثلاثة توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.
 وقال حافظ في معارج القبول:
"الواحد الأحد الذي لا شريك له في إلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته وملكوته وجبروته وعظمته وكبريائه وجلاله لا ضد له ولا ند ولا شبيه ولا كفؤ ولا عديل".اهـ
قال ابن القيم في بدائع الفوائد:
"الأحد المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية"اهـ
وقال في زاد المعاد:" في الأحد نفي لكل شريك"اهـ
 قال السعدي في فتح الرحيم:
أي هو الواحد المتفرِّد بصفات المجد والجلال، المتوحِّد بنعوت العظمة والكبرياء والجمال، فهو واحد في ذاته، وواحد في أسمائه لا سمي له، وواحد في صفاته لا مثيل له، وواحد في أفعاله لا شريك له ولا ظهير ولا عوين، وواحد في ألوهيته فليس له ندّ في المحبة والتعظيم، ولا له مثيل في التعبد له والتأله، وإخلاص الدين له، وهو الذي عظمت صفاته ونعوته حتى تفرد بكلِّ كمال، وتعذر على جميع الخلق أن يحيطوا بشيء من صفاته أو يدركوا شيئًا من نعوته، فضلاً عن أن يماثله أحد في شيء منها.
فأحديته تعالى تدل على ثلاثة أمور عظيمة:
1- نفي المثل والندّ والكفؤ من جميع الوجوه.
2- وإثبات جميع صفات الكمال بحيث لا يفوته منها صفة ولا نعت دال على الجلال والجمال.
3- وأنّ له من كلِّ صفة من تلك الصفات أعظمها وغايتها ومنتهاها {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى} [النجم:42].اهـ
قال ابن كثير -رحمه الله - في تفسيره لاسم الأحد من سورة الإخلاص:
" يعني هو الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا وزير ولا نديد ولا شبيه ولا عديل، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل، لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله "اهـ

قلت في منظومة روضة الموحد:
كذلك فـ(الواحد والأحدُ)
بمعنى لا مثيل فهو يُفردُ
بـهـذه الأنـواع للتـوحيـدِ
فلا شريـك فيهـا للمجيدِ

• اسم الأحد خاص بالله فلا يسمى به أحد غيره.
قال ابن تيمية:
" لفظ الأحد لم يوصف به شيء من الأعيان إلا الله وحده، وإنما يستعمل في غير الله في النفي" اهـ
قال ابن كثير: "ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل، لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله "اهـ
قال الأزهري: "لا يوصف شيء بالأحدية غير الله تعالى، لا يقال: رجل أحد ولا درهم أحد، كما يقال: رجل واحد أي فرد به، بل أحد صفة من صفات الله تعالى استأثر بها فلا يشركه فيها شيء".اهـ

•  فائدة:
الوحيد ليس من أسماء الله:
قال بكر أبو زيد في معجم المناهي اللفظية عن اسم عبد الوحيد:
"قال الخطابي في شأن الدعاء: بعد أن ذكر من أسماء الله سبحانه وتعالى: الواحد، والأحد قال:
(فأما الوحيد فإنما يوصف به في غالب العرف: المنفرد عن أصحابه، المنقطع عنهم. وإطلاقه في صفة الله سبحانه ليس بالبين عندي صوابه، ولا أستحسن التسمية بعبد الوحيد كما أستحسنها بعبد الواحد، وبعبد الأحد، وأرى كثيراً من العامة قد تسموا به ... ) اهـ. وللشيخ شمس الحق عظيم آبادي - رحمه الله تعالى - فتوى قال فيها: (إن التسمية بعبد الوحيد، لا تستحسن؛ لأن الوحيد ليس من أسماء الله - سبحانه وتعالى - ... ) انتهى. وهذا لأن أسماء الله سبحانه توقيفية، فلا يطلق عليه إلا ما ثبت بالكتاب أو السنة، وعليه فما لم يثبت بهما لا يجوز إطلاقه، ولا التسمية بالتعبيد به. ومثله الغلط في التعبيد بما ليس من أسماء الله تعالى: عبد المقصود. عبد الستار. عبد الموجود. عبد المعبود. عبد الهوه. عبد المرسل. عبد الطالب ... فالخطأ في هذه من جهتين: تسمية الله بما لم يسم به نفسه، والتعبيد بما لم يسم الله به نفسه ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -."اهـ كلام بكر أبو زيد.

•  اقتران اسم الواحد مع القهار:
قال السعدي في تفسيره لآية ص : "وما من إله إلا الله الواحد القهار":
"فإن القهر ملازم للوحدة، فلا يكون قهارين متساويين في قهرهما أبدا.
فالذي يقهر جميع الأشياء هو الواحد الذي لا نظير له، وهو الذي يستحق أن يعبد وحده، كما كان قاهرا وحده" اهـ
وقال في تفسيره لآية الرعد: "قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار":
"فإنه لا توجد الوحدة والقهر إلا لله وحده، فالمخلوقات وكل مخلوق فوقه مخلوق يقهره ثم فوق ذلك القاهر قاهر أعلى منه، حتى ينتهي القهر للواحد القهار، فالقهر والتوحيد متلازمان متعينان لله وحده، فتبين بالدليل العقلي القاهر، أن ما يدعى من دون الله ليس له شيء من خلق المخلوقات وبذلك كانت عبادته باطلة".اهـ
وقال على آية الزمر: {هو الله الواحد القهار}:
" أي: الواحد في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، وفي أفعاله، فلا شبيه له في شيء من ذلك، ولا مماثل، فلو كان له ولد، لاقتضى أن يكون شبيها له في وحدته، لأنه بعضه، وجزء منه.
القهار لجميع العالم العلوي والسفلي، فلو كان له ولد لم يكن مقهورا، ولكان له إدلال على أبيه ومناسبة منه.
ووحدته تعالى وقهره متلازمان، فالواحد لا يكون إلا قهارا، والقهار لا يكون إلا واحدا، وذلك ينفي الشركة له من كل وجه".اهـ
وقالت صاحبة كتاب مطابقة أسماء الله:
"يشير هذا الاقتران إلى معنى بديع وهو أن الغلبة والإذلال من ملوك الدنيا، إنما يكون بأعوانهم وجندهم وعددهم، والله تعالى يقهر كل الخلق وهو واحد أحد فرد صمد مستغن عن الظهير والمعين فاقتران الاسمين يشير إلى كماله سبحانه في تفرده وكماله في قهره" اهـ

•  اقتران اسم الأحد مع الصمد:
جاء مقترنا معه في سورة الإخلاص وكذلك في الحديث لأنه لا يصدق اسم الصمد إلا على الواحد الأحد.
قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية:
"ولما كان الدين عند الله هو الإسلام والإسلام هو الاستسلام لله وحده وله ضدان الإشراك والاستكبار فالمستكبر استكبر عن الإسلام له والمشرك استسلم لغيره وأن كان قد استسلم له فمعنى الأحد يوجب الإخلاص لله المنافي للشرك ومعنى الصمد يوجب الاستسلام لله وحده المنافي للاستكبار فإن الصمد يتضمن صمود كل شيء إليه وفقره إليه. وأيضا فدين الله واحد لا تفرق فيه والصمد يناسب اجتماعه فالله سبحانه وتعالى هو الإله الواحد ودينه واحد وعباده المؤمنون مجتمعون يعتصمون بحبله غير مفترقين واسمه الأحد يقتضي التوحيد والصمد يقتضي الاجتماع وعدم التفرق فإن الصمد فيه معنى الاجتماع وعدم التفريق والتوحيد أبدا قرين الاجتماع لأن الاجتماع فيه الوحدة والتفرق لابد فيه من التثنية والتعدد كما أن الإشراك مقرون بالتفرق قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}" اهـ

• فائدة:
هذان الاسمان من أعظم ما يردّان على المشركين الذين جعلوا مع الله الأنداد والنظراء في العبادة والدعاء، فعندما يطرق أسماعهم {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} [سورة هود: 50] قالوا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ( ٥ ) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ( ٦ ) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [سورة ص]، ولكن العرب كانوا يعلمون ما معنى الإله فكان ردهم صريحا في عدم توحيد الإلهية، وأما اتباعهم من المنتسبين للإسلام لم يصرحوا بتعدد الألهة، ولكن قالوه بمعناه وفعلوه ودعوا إليه والله المستعان.

وكذلك هذان الاسمان من أعظم ما يردان على النصارى الذين جعلوا له الصاحبة والولد وعبدوهما معه سبحانه وتعالى عما يشركون.

• تنبيه:
وقع عند المتكلمين خلل في معنى هذا الاسم في أمرين:-
١- قصر المعنى على الذات والربوبية، دون توحيد الألوهية، وهذا ذهاب بأساس المعنى منه، كما فعلوا في اسم الإله أيضا، وهذا ما أوقع كثير من أتباعهم في الشرك في الألوهية، لأن علم توحيد الألوهية مهمل عندهم، بل يصرفون أهم ما جاء فيه إلى غيره، والله المستعان 
٢- تفسيرهم للواحد بأنه الذي لا يتجزأ ولا يقبل الانقسام، وهذا المعنى ليس له أصل في لغة العرب ولم يذكره المتقدمون من أهل اللغة، وإنما يوجد عند المتأخرين الذين تلقوه من أفواه المتكلمين.
والمعنى في نفسه مجملا يحتمل حقا وباطلا ولكنهم أرادوا به نفي الصفات عن الله أو بعضها وهذا باطل بلا ريب، فتوحيدهم يقوم على إثبات توحيد الربوبية ونفي الصفات أو بعضها.

• وفي الخاتمة:
هذان الاسمان دار على معناهما القرآن، بل الرسالة المحمدية كلها ودعوة الرسل أجمعين إنما جائت لتقرير هذا المعنى، وتطبيق هذا المقصد الأسنى بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
ومن ثمرات هذين الاسمين أن يحققا في العبد توحيدا، فيُتعبّد الله بهما بتوحيده وحده لا شريك له، فلا يعبد إلا إياه، ولا يدعوا أحدا سواه، ولا يتخذ غيره إله.
•  قال تعالى:
﴿وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾
قال محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان:
"نهى الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة جميع البشر عن أن يعبدوا إلها آخر معه، وأخبرهم أن المعبود المستحق لأن يعبد وحده واحد، ثم أمرهم أن يرهبوه، أي: يخافونه وحده؛ لأنه هو الذي بيده الضر والنفع، لا نافع ولا ضار سواه.
وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة؛ 
  كقوله: ﴿ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين﴾ ﴿ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين﴾ [الذاريات: ٥٠ - ٥١]، 
  وقوله: ﴿الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد﴾ [ق: ٢٦]، 
  وقوله: ﴿لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا﴾ [الإسراء: ٢٢]، 
  وقوله: ﴿ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا﴾ [الإسراء: ٣٩] .
وبين - جل وعلا - في مواضع أخر: استحالة تعدد الألهة عقلا؛ 
  كقوله: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾ [الأنبياء: ٢٢]، 
  وقوله: ﴿وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون﴾ ﴿عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون﴾ [المؤمنون: ٩١ - ٩٢]، 
  وقوله: ﴿قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا﴾ [الإسراء: ٤٢]، والآيات بعبادته وحده كثيرة جدا، فلا نطيل بها الكلام"اهـ من أضواء البيان.

{أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ( ٣٩ )  } [سورة يوسف]

والحمد لله رب العالمين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دليل الخلق والإيجاد

محالات العقول ومحاراتها

مقدمة جواب شبهة التوسل(١)

وجود الأدلة العقلية في الأدلة النقلية

جواب شبهة التوسل النقلية(٢)