نوعي الإرادة
((نوعي الإرادة))
- إرادة الله سبحانه وتعال نوعان:
١-إرادة كونية قدرية، تتعلق بالخلق، وهي بمعنى المشيئة، التي يقال فيها ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
وهذه الإرادة إرادة شاملة لا يخرج عنها أحد من الكائنات، فكل الحوادث الكونية داخلة في مراد الله ومشيئته، سواء كان يحبها أو يكرهها، وهذه يشترك فيها المؤمن والكافر والبر والفاجر.
ومنه قوله تعالى: "فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا" [الأنعام:125]. وقوله: "وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ" [هود:34].
٢-إرادة شرعية دينية، تتعلق بالأمر، وهي ما أراده الله دينا وشرعا وأحبها ورضيها، وهي تتناول جميع الطاعات حدثت أو لم تحدث.
منه قوله تعالى: "يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" [البقرة:185]، وقوله: "مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [المائدة: 6]
قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية:
"أن الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة تتعلق بالأمر، وإرادة تتعلق بالخلق. فالإرادة المتعلقة بالأمر أن يريد من العبد فعل ما أمره به وأما إرادة الخلق فأن يريد ما يفعله هو، فإرادة الأمر هي المتضمنة للمحبة والرضا وهي الإرادة الدينية. والثانية المتعلقة بالخلق هي المشيئة وهي الإرادة الكونية القدرية"اهـ.
- الفرق بينهما:
إن الإرادة الكونية يلزم وقوعها، ولكن لا يلزم محبة الله لها ورضاه عنها.
وأما الإرادة الشرعية فيلزم محبة الله لها ورضاه عنها، ولا يلزم وقوعها.
- فالأقسام أربعة:
١- ما تعلقت به الإرادتان: وهو ما وقع في الوجود من الأعمال الصالحة.
٢- ما تعلقت به الإرادة الدينية فقط، وهو ما أمر الله به وأراده شرعا، فعصاه في ذلك أهل الكفر والفجور.
٣- ما تعلقت به الإرادة الكونية فقط، وهو ما قدره سبحانه من الحوادث التي لم يأمر بها، كالمباحات والمعاصي.
٤- ما لم تتعلق به الإرادتان، وهذا ما لم يقع من أنواع المباحات والمعاصي.
والسعيد من عباد الله من أراد الله منه تقديراً ما أراد الله به تشريعاً، والعبد الشقي من أراد الله به تقديراً ما لم يرد به تشريعاً.
- وبهذا التفصيل نعرف الجواب عن مسألة هل الإرادة تستلزم الرضا والمحبة؟
فقد ضل فيها أقوام وزلت فيها أفهام، بسبب بعدهم عن القرآن والسنة، وعدم تفريقهم بين الإرادتين.
فقد ذهب المعتزلة والجهمية وأكثر الأشاعرة إلى أنه لا فرق بين الإرادة والمشيئة والرضا والمحبة.
لكن هؤلاء اختلفوا فيما يترتب على ذلك:
- فذهبت المعتزلة إلى إنكار خلق الله لأفعال العباد لأن الله لا يريد إلا ما يحب، والكفر والفسوق والعصيان لا يحبها الله، ولذا لم يشأها من عباده ولا خلقها فيهم.
- وذهبت الجهمية وتبعتهم الأشاعرة إلى أن كل ما في الكون محبوب لله لأنه كان بإرادته، فجعلوا الكفر والفسوق من محبوبات الله، وهذه الضلالة مرجعها إلى مسألة نفيهم تعليل أفعال الله، ونفي التحسين والتقبيح العقلي، فالبدع تجر بعضها.
وبسبب الإنحراف في هذه المسألة بلغ الأمر بغلاة المتصوفة إلى أنه ليس في مشهدهم لله محبوب مرضي مراد إلا ما يقع، فمن غلب كانوا معه، لأن القدر مع الغالب، والمقدور عندهم هو محبوب الخالق، وأنه ينبغي موافقة الخالق فيما يحب، وهذا من أسرار الإنحرافات الخطيرة عندهم، وتجويزهم لكثير من الكفريات، وجعل الطرق إلى الله متعددة.
- أما مذهب أهل السنة والجماعة فإنهم فرقوا بين الإرادتين.
وذكروا أن الإرادة التي يلزم منها المحبة هي الإرادة الدينية الشرعية.
وأما الإرادة التي هي بمعنى المشيئة فأجمعوا على أنها لا تستلزم الرضا والمحبة لأن آيات المشيئة تدل على أن كل ما في الكون هو من خلقه ومشيئته، والنصوص الأخرى تدل على أن منها ما لا يحبه ويرضاه فهو سبحانه لا يحب الفساد ولا يرضى الكفر، ولكن شاءها لحكمة، فدل هذا على عدم التلازم بين المشيئة والمحبة.
قال ابن القيم في المدارج:
"والذي يكشف هذه الغمة ويبصر من هذه العماية، وينجي من هذه الورطة، إنما هو التفريق بين ما فرق الله بينه، وهو المشيئة والمحبة، فإنهما ليسا واحدا ولا هما متلازمين"
والحمد لله رب العالمين.
:؛
تعليقات
إرسال تعليق