مراتب القدر
الإيمان القدر
الإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان الستة التي لا يقوم الإيمان، ولا يصح الإسلام إلا بها.
قال الله تعالى: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ( ٤٩ ) } [سورة القمر]
وعن عبد الله بن عمر قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ ". رواه مسلم
قال الإمام أحمد: "القدر قدرة الله".
واستحسن ابن عقيل هذا الكلام جدا.
قال ابن القيم في شفاء العليل"وهو كما قال أبو الوفاء فإن إنكار القدر إنكار لقدرة الرب على خلق أعمال العباد وكتابتها وتقديرها"اهـ
- وللقدر أربعة مراتب، لا يتم إيمان عبد حتى يؤمن بها جميعا وهي على درجتين:
الدرجة الأولى: وهي من المعلوم بالدين من الضرورة، لا يصح إسلام المرء إلا بها وهما:-
١- مرتبة العلم:
أي الإيمان بعلم الله تعالى بالأشياء كلها ما كان منها وما سيكون وما لا يكون كيف يكون لو كان، ومن ذلك علمه بجميع أحوال عباده من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال قبل وقوعها.
فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعُلِمَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ؟ قَالَ : فَقَالَ : " نَعَمْ ". قَالَ : قِيلَ : فَفِيمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ ؟ قَالَ : " كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ". متفق عليه.
والعقل لا يخالف أن يكون الخالق عالما بمخلوقاته كما قال تعالى منبها على ذلك: { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ( ١٤ ) } [سورة الملك]
٢- مرتبة الكتابة.
أي الإيمان بأن الله كتب مقادير الأشياء كلها قبل وقوعها، في اللوح المحفوظ، فكل ما يجري في الكون قد سبقت كتابته في اللوح المحفوظ.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ : وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ".رواه مسلم
وقد جمع الله بين هاتين المرتبتين في قوله:
{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( ٧٠ ) } [سورة الحج]
الدرجة الثانية: من أصول أهل السنة، التي لم يخالف فيها إلا أهل البدع المليّة وهما:-
١- مرتبة المشيئة:
وهي الإيمان بمشيئة الله الشاملة النافذة، وإرادته لما علمه وكتبه أن يكون، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا حركة ولا سكون في السموات والأرض إلا بمشيئته، فلا يكون في ملكه ما لا يريد.
قال تعالى: { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( ٢٩ ) } [سورة التكوير]
وقال: { من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ( ٣٩ ) } [سورة الأنعام]
٢- مرتبة الخلق:
وهي الإيمان بخلق الله سبحانه وتعالى للأشياء كلها وإيجادها على وفق ما علمه وشاءه وكتبه ومن ذلك، العباد وأعمالهم وإراداتهم، فلا شيء في الكون إلا والله خالقه سبحانه وتعالى، فلا خالق غيره ولا رب سواه.
قال تعالى: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [سورة الزمر]
وقال:
{ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ( ٩٦ ) } [سورة الصافات]
فأفعال العباد كلها من طاعة ومعصية وخير وشر مخلوقة لله عز وجل.
- ومع ذلك كله فللعباد قدرة على أفعالهم، ولهم مشيئة وإرادة، وهم فاعلون حقيقة لا مجبورون، ولذا فقد أمرالله العباد بطاعته، ونهاهم عن معصيته، ويحب المؤمنين، ولا يرضى لعباده الكفر.
وأعمالهم منسوبة إليهم، ويستحقون عليها المدح والذم والثواب والعقاب.
- وقد خالف في الدرجتين القدرية الأوائل وهم الغلاة الذين ظهروا في أواخر عهد الصحابة فكفرها ابن عمر والسلف.
-وكذب بالدرجة الثانية عامة القدرية، وهم المعتزلة حيث نفوا خلق الله لأفعال العباد، فيثبتون علم الله وكتابته، وينفون مشيئته وخلقه لها وهذا تناقض.
وغلا فيها قوم فسلبوا من العبدقدرته، وهم الجبرية بنوعيها، الغالية التي لا تثبت للعبد فعلا ولا قدرة كالجهمية، وغير الغالية التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة كالأشاعرة بنظرية الكسب الغير معقولة، وهي في مآلها جبرية خالصة.
- ووفق الله أهل السنة والجماعة، فآمنوا بالقدر خيره وشره وحلو ومره، بمراتبه الأربع، ومرجعهم في ذلك الوحي، وإجماع السلف، ولا في ما ذهبوا إليه شيء يناقض العقل، أو له لوازم باطلة، كأقوال المبتدعة.
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ( ١٢ ) } [سورة الطلاق]
والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق