الله - الإله
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه سلسلة:
خلاصة المعنى للأسماء الحسنى (3)
وفي هذا المنشور الثالث نشرع بحمد الله في ذكر معاني أسماء الله الحسنى، ونبدأ بهذين الاسمين للعلاقة بينهما:
(الله) و (الإله)
• هذان الاسمان العظيمان قد ثبتا في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة جدا، بل قيل إن لفظ الجلالة (الله) قد ورد في القرآن (2724) مرة.
• فمن أدلة الاسمين من القرآن:
{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( ١ ) } [سورة الفاتحة]
{وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( ١٠٥ ) } [سورة البقرة]
{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ( ٢ ) } [سورة آل عمران]
{ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ( ١٦٣ ) } [سورة البقرة]
{ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ( ٩٨ ) } [سورة طه]
• ومن السنة:
عَنْ مَسْرُوقٍ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَرَخَّصَ فِيهِ، فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ : " مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً " متفق عليه
وفي المتفق عليه أيضا من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ : " اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ… - وفيه-"أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ".
• (الله) اسم خاص بالله وحده:
قال الخطابي في شأن الدعاء:"إنه أشهر أسماء الرب تعالى، وأعلاها محلا في الذكر، والدعاء؛ وكذلك جعل أمام سائر الأسماء، وخصت به كلمة الإخلاص، ووقعت به الشهادة؛ صار شعار الإيمان وهو اسم ممنوع، لم يتسم به أحد، قد قبض الله عنه الألسن؛ فلم يدع به شيء سواه، وقد كاد يتعاطاه المشركون اسما لبعض أصنامهم التي كانوا يعبدونها، فصرفه الله تعالى إلى "اللات" صيانة لهذا الاسم، وذبا عنه". اهـ
• اشتقاق اسم (الله):
ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه مشتق وليس اسما جامدا يدل على العلمية فقط، بل مشتق له معنى، وأكثرهم أيضا على أنه مشتق من إله مثل فعال بمعنى مفعول أي مألوه بمعنى معبود ككتاب أي مكتوب، فيكون دالا على صفة الإلهية.
قال ابن القيم في بدائع الفوائد:
"وأما الإله فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى ولهذا كان القول الصحيح أن الله أصله الإله كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم وأن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى" اهـ
فيكون الاسمان بمعنى المعبود المستحق للعبادة، فإن التأله التعبد.
ومما قلتُ في منظومة روضة الموحد:
فأعظم الأسماء والذي جمَعْ
معانـي الأسماء فيه ما ودَعْ
(الله) واشتقاقـه في الأرجـحِ
مــن الإلٰـه فاعلمـنّ تــــفلـحِ
وهـاهنـا (الإلٰه) أي مـألـــوهُ
أي أنـه المعبـــود فاعبـدوهُ
قال ابن القيم في شفاء العليل:
"فإن الإله هو المستحق لصفات الكمال المنعوت بنعوت الجلال وهو الذي تألهه القلوب وتصمد إليه بالحب والخوف والرجاء فالتوحيد الذي جاءت به الرسل هو إفراد الرب بالتأله الذي هو كمال الذل والخضوع والانقياد له مع كمال المحبة والإثابة وبذل الجهد في طاعته ومرضاته وإيثار محابه ومراده الديني على محبة العبد ومراده فهذا أصل دعوة الرسل وإليه دعوا الأمم وهو التوحيد الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه لا من الأولين ولا من الآخرين وهو الذي أمر به رسله وأنزل به كتبه ودعا إليه عباده ووضع لهم دار الثواب والعقاب لأجله وشرع الشرائع لتكميله وتحصيله" اهـ
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
" الإله " هو المألوه أي المستحق لأن يؤله أي يعبد ولا يستحق أن يؤله ويعبد إلا الله وحده وكل معبود سواه من لدن عرشه إلى قرار أرضه باطل، وفعال بمعنى مفعول مثل لفظ الركاب والحمال؛ بمعنى المركوب والمحمول... وقد غلط طائفة من أهل الكلام فظنوا أن " الإله " بمعنى الفاعل وجعلوا الإلهية هي القدرة والربوبية...وهو أيضا في نفسه هو الإله الحق لا إله غيره فإذا عبده الإنسان فقد وحده ولم يجعل معه إلها آخر ولا اتخذ إلها غيره قال تعالى: {فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين} وقال تعالى: {لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا} وقال إبراهيم لأبيه آزر:{أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين}فالمخلوق ليس بإله في نفسه لكن عابده اتخذه إلها وجعله إلها وسماه إلها وذلك كله باطل لا ينفع صاحبه بل يضره كما أن الجاهل إذا اتُخذ إماما ومفتيا وقاضيا كان ذلك باطلا؛ فإنه لا يصلح أن يؤم ولا يفتي ولا يقضي، وغير الله لا يصلح أن يتخذ إلها يعبد ويدعى فإنه لا يخلق ولا يرزق، وهو سبحانه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد.ومن دعا من لا يسمع دعاءه أو يسمع ولا يستجيب له فدعاؤه باطل وضلال وكل من سوى الله إما أنه لا يسمع دعاء الداعي أو يسمع ولكن لا يستجيب له فإن غير الله لا يستقل بفعل شيء ألبتة وقد قال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير} {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} فغير الله لا مالك لشيء ولا شريك في شيء ولا هو معاون للرب في شيء؛ بل قد يكون له شفاعة إن كان من الملائكة والأنبياء والصالحين ولكن لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له فلا بد أن يأذن للشافع أن يشفع وأن يأذن للمشفوع له أن يشفع له ومن دونه لا يملكون الشفاعة ألبتة فلا يصلح من سواه لأن يكون إلها معبودا كما لا يصلح أن يكون خالقا رازقا لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"اهـ
وقال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل:
"والإله هو بمعني المألوه المعبود الذي يستحق العبادة ليس هو الإله بمعني القادر علي الخلق فإذا فسر المفسر الإله بمعني القادر علي الاختراع واعتقد أن هذا أخص وصف الإله وجعل إثبات هذا التوحيد هو الغاية في التوحيد كما يفعل ذلك من يفعله من المتكلمة الصفاتية وهو الذي ينقلونه عن أبي الحسن وأتباعه لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء وكانوا مع هذا مشركين
وقال تعالى { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } [ يوسف : 106 ] قال طائفة من السلف : تسألهم من خلق السماوات والأرض فيقولون الله وهم مع هذا يعبدون غيره وقال تعالي { قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون * قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنى تسحرون } [ المؤمنون : 84 - 89 ] وقال تعالى { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله } [ العنكبوت : 61 ]
فليس كل من أقر أن الله رب كل شيء وخالقه يكون عابدا له دون ما سواه داعيا له دون سواه راجيا له خائفا منه دون ما سواه يوالي فيه ويعادي فيه ويطيع رسله ويأمر بما أمر به وينهى عما نهي عنه وقد قال تعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } [ الأنفال : 39 ] وعامة المشركين أقروا بأن الله خالق كل شيء وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به وجعلوا له أندادا قال تعالى { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون * قل لله الشفاعة جميعا } [ الزمر : 43 - 44 ] وقال تعالى { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون } [ يونس : 18 ] وقال تعالى { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون } [ الأنعام : 94 ] وقال تعالى { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله } [ البقرة : 165 ]
ولهذا كان من أتباع هؤلاء من يسجد للشمس والقمر والكواكب ويدعوها كما يدعو الله تعالي ويصوم لها وينسك لها ويتقرب إليها ثم يقول : إن هذا ليس بشرك : وإنما الشرك إذا اعتقدت أنها هي المدبرة لي فإذا جعلتها سببا وواسطة لم أكن مشركا
ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك فهذا ونحوه من التوحيد الذي بعث الله به رسله وهم لا يدخلونه في مسمي التوحيد الذي اصطلحوا" اهـ
• (الله) هو الاسم الجامع لجميع معاني أسماء الله الحسنى ومتضمن لسائر صفاته سبحانه.
قال ابن القيم في مدارج السالكين عنه:
"ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم، كقوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى} [الأعراف: 180] ويقال: الرحمن والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، ولا من أسماء العزيز، ونحو ذلك.
فعلم أن اسمه الله مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دال عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم الله، واسم الله دال على كونه مألوها معبودا، تؤلهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا، وفزعا إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمنين لكمال الملك والحمد، وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه مستلزم لجميع صفات كماله، إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.
وصفات الجلال والجمال: أخص باسم الله.
وصفات الفعل والقدرة، والتفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة وكمال القوة، وتدبير أمر الخليقة أخص باسم الرب.
وصفات الإحسان، والجود والبر، والحنان والمنة، والرأفة واللطف أخص باسم الرحمن، وكرر إيذانا بثبوت الوصف، وحصول أثره، وتعلقه بمتعلقاته". اهـ
• اسم (عبد الله) أحب أسماء العباد إلى الله:
قال ابن القيم في زاد المعاد:
"ولما كان الاسم مقتضيا لمسماه ومؤثرا فيه كان أحب الأسماء إلى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه كعبد الله، وعبد الرحمن، وكان إضافة العبودية إلى اسم الله واسم الرحمن أحب إليه من إضافتها إلى غيرهما، كالقاهر والقادر، فعبد الرحمن أحب إليه من عبد القادر، وعبد الله أحب إليه من عبد ربه؛ وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هو العبودية المحضة، والتعلق الذي بين الله وبين العبد بالرحمة المحضة، فبرحمته كان وجوده وكمال وجوده، والغاية التي أوجده لأجلها أن يتأله له وحده محبة وخوفا، ورجاء وإجلالا وتعظيما، فيكون عبدا لله، وقد عبده لما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل أن تكون لغيره، ولما غلبت رحمته غضبه وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب، كان عبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر". اهـ
• الاسم الأعظم:
ولهذا ذهب كثير من أهل العلم على إن اسم (الله) هو الاسم الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى.
فائدة: معنى (اللهم) -وقد وردت في خمس مواضع من القرآن- يا الله، والميم زيدت إما بدلا عن ياء النداء أو للمبالغة.
• تنبيه:
لا يشرع ذكر الله باسم الجلالة (الله) مفردا مع التكرار كما يفعله جهلة الصوفية.
قال ابن القيم عنهم في طريق الهجرتين:
"ونظير هذا استشهادهم بقوله تعالى: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ، قُلِ اللهُ، ثُمَّ ذَرْهُمْ} [الأنعام: 91] حتى رتب على ذلك بعضهم أن الذكر بالاسم المفرد وهو "الله، الله" أفضل من الذكر بالجملة المركبة كقوله: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، وهذا فاسد مبنى على فاسد. فإن الذكر بالاسم المفرد غير مشروع أصلاً، ولا مفيد شيئاً، ولا هو كلام أصلاً، ولا يدل على مدح ولا تعظيم، ولا يتعلق به إيمان، ولا ثواب ولا يدخل به الذاكر فى عقد الإسلام جملة.
فلو قال الكافر: "الله، الله" من أول عمره إلى آخره لم يصر بذلك مسلماً فضلاً عن أن يكون من جملة الذكر [أو يكون أفضل الأذكار وبالغ بعضهم فى ذلك حتى قال الذكر] بالاسم المضمر أفضل من الذكر [بالاسم الظاهر، يذكر بقوله [هو، هو أفضل من الذكر] بقولهم: "الله، الله"، وكل هذا من أنواع الهوس والخيالات الباطلة المفضية بأهلها إلى أنواع من الضلالات، فهذا فساد هذا البناءِ الهائر، وأما فساد المبنى عليه فإنهم ظنوا أن قوله تعالى: {قُلِ اللهُ} [الأنعام: 19] ، أى قل هذا الاسم، فقل: الله الله، وهذا من عدم فهم القوم لكتاب الله، فإن اسم الله هنا جواب لقوله: {قُلِ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِى جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَه قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً} [الأنعام: 91] ، إلى أن قال: {قُلِ اللهُ} ، أى قل: الله أنزله: فإن السؤال معاد فى الجواب فيتضمنه فيحذف اختصاراً كما يقول: من خلق السموات والأرض؟ فيقال: الله. أى الله خلقهما، فيحذف الفعل لدلالة السؤال عليه، فهذا معنى الآية الذى لا تحتمل غيره". اهـ
• خاطرة:
قال السعدي في فتح الرحيم:
"الله هو ذو الألوهية، والألوهية التي هي وصفه هي الوصف العظيم الذي استحق أن يكون به إلهًا، بل استحق أن لا يشاركه في هذا الوصف العظيم مشارِكٌ بوجه من الوجوه.
وأوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال، وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبرِّ والكرم والامتنان.
فإنَّ هذه الصفات هي التي يستحق أن يُؤله ويُعبد لأجلها، فيؤله لأنَّ له أوصافَ العظمة والكبرياء، ويؤله لأنَّه المتفرِّد بالقيُّومية والربوبية والملك والسلطان، ويؤله لأنَّه المتفرِّد بالرحمة وإيصال النِعم الظاهرة والباطنة إلى جميع خلقه، ويؤله لأنه المحيط بكلِّ شيء علمًا وحُكْمًا وحكمةً وإحسانًا ورحمة وقدرة وعزة وقهرًا، ويؤله لأنَّه المتفرِّد بالغنى المطلق التام من جميع الوجوه، كما أنَّ ما سواه مفتقر إليه على الدوام من جميع الوجوه، مفتقر إليه في إيجاده وتدبيره، مفتقر إليه في إمداده ورزقه، مفتقر إليه في حاجاته كلِّها، مفتقر إليه في أعظم الحاجات وأشد الضرورات، وهي افتقاره إلى عبادته وحده والتأله له وحده...
وعباد الرحمن يألهونه ويعبدونه، ويبذلون له مقدورهم بالتأله القلبي والروحي، والقولي والفعلي، بحسب مقاماتهم ومراتبهم، فيعرفون من نعوته وأوصافه ما تتسع قواهم لمعرفته، ويحبونه من كلِّ قلوبهم محبةً تتضاءل جميعُ المحابِّ لها، فلا يعارض هذه المحبة في قلوبهم محبة الأولاد والوالدين وجميع محبوبات النفوس، بل خواصهم جعلوا كلَّ محبوبات النفوس الدينية والدنيوية العادية تبعًا لهذه المحبة، فلما تمَّت محبة الله في قلوبهم أحبوا ما أحبه من أشخاص وأعمال وأزمنة وأمكنة، فصارت محبتهم وكراهتهم تبعًا لإلههم وسيدهم ومحبوبه.
ولما تمَّت محبة الله في قلوبهم التي هي أصل التأله والتعبد أنابوا إليه فطلبوا قُربه ورضوانه، وتوسَّلوا إلى ذلك وإلى ثوابه بالجد والاجتهاد في فعل ما أمر الله به ورسوله، وفي ترك جميع ما نهى الله عنه ورسوله، وبهذا صاروا محبِّين محبوبين له، وبذلك تحققت عبوديتهم وألوهيتهم لربهم، وبذلك استحقوا أن يكونوا عباده حقًّا، وأن يضيفهم إليه بوصف الرحمة حيث قال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} [الفرقان: 63]، ثم ذكر أوصافهم الجميلة التي إنما نالوها برحمته وتبوأوا منازلها برحمته، وجازاهم بمحبته وقُربه ورضوانه وثوابه وكرامته برحمته.
وقد عُلم بهذا أنَّ من بذل هذه المحبة التي هي روح العبادة التي خلق الخلق لها لغير الله، فقد وضعها في غير موضعها، ولقد ضيَّعها أيضًا، ولقد ظلم نفسه أعظم الظلم، حيث هضمها أعظم حقوقها، وبذلك استحق أن يكون الشرك هو الظلم العظيم، وأن يكون المشرك مخلدًا في النار، محرومًا دخول الجنة محرَّمًا عليه، لأنها دار الطيبين الذين عبدوه حق عبادته وأخلصوا له الدين.
وقد جمع الله هذين المعنيين في عدة مواضع مثل قوله تعالى لموسى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]، أي مساميًا مماثلاً في صفات الألوهية.
وكذلك كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله، تتضمن نفي الألوهية عن غير الله، وأنَّه لا يستحق أحد من الخلق فيها مثقال ذرة، فلا يصرف لغير الله شيء من العبادات الظاهرة والباطنة، وتقرر الألوهية كلَّها لله وحده، فهو الذي يستحق أن يؤله محبة ورغبة ورهبة وإنابة إليه، وخضوعًا وخشوعًا له من جميع الوجوه والاعتبارات، فهو المألوه وحده، المعبود، المحمود، المعظّم، المُمَجّد، ذو الجلال والإكرام"اهـ
• وختاما فقد تبين لنا عظمة هذين الاسمين ودلالتهما على أعظم مقصود من خلق الله لنا وأرسال الرسل إلينا وهو توحيد العبادة كما قال تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( ٥٦ ) } [سورة الذاريات]
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ( ٣٦ ) } [سورة النحل]
فيا خيبة من أضاع نفسه بالشرك، وجعل لله أندادا في الدعاء الذي هو أعظم أنواع العبادة، ومن فعل ذلك فهو لا يعرف ربه ولو ادعى المعرفة، ولم يسلك سراطه ولو ظن ذلك.
والحمد لله الذي هدانا وعافانا وصلى الله وسلم على رسوله الذي أرشدنا ودعانا.
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها
خلاصة المعنى للأسماء الحسنى
كن مع الله
تعليقات
إرسال تعليق