قواعد وضوابط الأسماء الحسنى





نبدأ بحمد الله في المنشور الثاني من سلسلة
 خلاصة المعنى للأسماء الحسنى (٢)

وفيه نذكر بعض القواعد المهمة والضوابط في أسماء الله الحسنى قبل الولوج في ذكر معانيها في المنشورات القادمة بأذن الله.
فهي كالأساس الذي نبني عليه، وكالسراط الذي نسير فيه، وكالنور الذي نرى به.
فنقول وبالله التوفيق.

1-  أسماء الله تعالى توقيفية.
أي يجب الوقوف فيها على ما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة فلا نثبت منها إلا ما ثبت فيهما.
فلا مجال للعقل في إثباتها لأن عقل الإنسان قاصر عن إدراك ما يستحقه سبحانه وتعالى من الأسماء.
قال أبو سليمان الخطابي في كتابه شأن الدعاء:
 "ومن علم هذا الباب؛ أعني الأسماء، والصفات، ومما يدخل في أحكامه، ويتعلق به من شرائط أنه لا يتجاوز فيها التوقيف، ولا يستعمل فيها القياس، فيلحق بالشيء نظيره في ظاهر، وضع اللغة، ومتعارف الكلام،
فالجواد: لا يجوز أن يقاس عليه السّخيّ، وإن كانا متقاربين في ظاهر الكلام، وذلك أن السّخيّ لم يرد به التوقيف كما ورد بالجواد، ثم إن السّخاوة موضوعة في باب الرّخاوة واللّين، يقال: أرض سخيّة وسخاويّة إذا كان فيها لين ورخاوة، وكذلك لا يقاس عليه السّمح لما يدخل السماحة من معنى اللّين، والسّهولة.
وأما الجود فإنما هو سعة العطاء من قولك جاد السّحاب إذا أمطر فأغزر، وفرس جواد إذا بذل ما في وسعه من الجري.
وقد جاء في الأسماء القويّ، ولا يقاس عليه الجلد، وإن كان يتقاربان في نعوت الآدميين لأن باب التجلّد يدخله التكلّف، والإجتهاد.…
وفي أسمائه العليم، ومن صفته العلم فلا يجوز قياساً عليه أن يسمى عارفاً لما تقتضيه المعرفة من تقديم الأسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء وكذلك لا يوصف بالعاقل.
وهذا الباب يجب أن يراعى، ولا يغفل فإن عائدته عظيمة، والجهل به ضار، وبالله التوفيق". اهـ

2-  أسماء الله غير محصورة بعدد.
ولكن لا نثبت منها إلا ما أخبرنا الله ورسوله بها، وهو سبحانه لم يخبرنا إلا ببعضها ودليل ذلك ما جاء في الحديث المشهور عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ، وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ؛ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا ". قَالَ : فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : " بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ".رواه أحمد
وأما حديث إن لله تسعة وتسعين اسما… الحديث فهو لا يدل على الحصر.
قال النووي في شرحه:
"اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين؛ وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة.
فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء" اهـ
وقال الخطابي:
"فجملة (من أحصاها) مكملة للجملة الأولى وليست استثنائية منفصلة، ونظير هذا قول العرب: إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة، وكقولك إن لعمرو مائة ثوب من زاره خلعها عليه، وهذا لا يدل على أنه ليس عنده من الدراهم أكثر من ألف درهم، ولا من الثياب أكثر من مائة ثوب، وإنما دلالته أن الذي أعده زید من الدراهم للصدقة ألف درهم، وأن الذي أرصده عمرو من الثياب للخلع مائة ثوب"اهـ

3-  باب الإخبار أوسع من باب الأسماء.
فيجوز الإخبار عن الله بأنه متكلم وموجود وشيء وذات، ولكن لا يسمى بها ولا يدعى بها  ولا يتعبد لها في التسمية.
قال ابن القيم في مدارج السالكين:
"باب الإخبار عنه بالاسم أوسع من تسميته به، فإنه يخبر عنه بأنه شيء وموجود ومذكور ومعلوم ومراد ولا يسمى بذلك" اهـ
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
"وأما الإخبار عنه فلا يكون باسم سيء لكن قد يكون باسم حسن أو باسم ليس بسيء، وإن لم يحكم بحسنه مثل اسم شيء وذات، وموجود إذا أريد به الثابت" اهـ
وقال في درء تعارض العقل والنقل:
"والشارع يفرق بين ما يدعى به من الأسماء فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنی، وبين ما يخبر بمضمونه عنه من الأسماء لإثبات معنى يستحقه نفاه عنه ناف لما يستحقه الصفات، كما أنه من نازعك في قدمه أو وجوب وجوده قلت مخبر عنه بما يستحقه : إنه قدیم وواجب الوجود"اهـ

4-  أسماء الله تعالى كلها حسنى.
 أي بالغة الحسن لإنبائها عن أشرف المعاني، وقد جاء وصفها بذلك في أربع آيات من القرآن الكريم في سورة الأعراف والإسراء وطه والحشر.قال تعالى  في سورة الأعراف: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ١٨٠ )  }
قال السعدي في تفسيره لهذه الآية:
"وضابطه: أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة، وبذلك كانت حسن؛ فإنها لو دلت على غير صفة، بل كانت علما محضا، لم تكن حسنى، وكذلك لو دلت على صفة، ليست بصفة كمال، بل إما صفة نقص وأما صفة منقسمة إلى المدح والقدح، لم تكن حسنی" اهـ
فهي حسنى لأنها متضمنة الصفات، وكاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه لا احتمالا ولا تقديرا، فالحي مثلا من أسمائه سبحانه متضمن للحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال، الحياة المستلزمة الصفات كالعلم والقدرة والسمع والبصر وغيره. (انظر القواعد المثلى لابن عثيمين).
قال ابن القيم في بدائع الفوائد عن الأسماء الحسنى:
"هي أحسن الأسماء وأكملها فليس في الأسماء أحسن منها ولا يقوم غيرها مقامها ولا يؤدي معناها وتفسير الاسم منها بغيره ليس تفسيرا بمرادف محض بل هو على سبيل التقريب والتفهيم وإذا عرفت هذا فله من كل صفة كمال أحسن اسم وأكمله وأتمه معنى وأبعده وأنزهه عن شائبة عيب أو نقص فله من صفة الإدراكات العليم الخبير دون العاقل الفقيه والسميع البصير دون السامع والباصر والناظر ومن صفات الإحسان البر الرحيم الودود دون الرفيق والشفوق ونحوهما وكذلك العلي العظيم دون الرفيع الشريف وكذلك الكريم دون السخي والخالق البارئ المصور دون الفاعل الصانع المشكل والغفور العفو دون الصفوح الساتر وكذلك سائر أسمائه تعالى يجري على نفسه منها أكملها وأحسنها وما لا يقوم غيره مقامه فتأكل ذلك فأسماؤه أحسن الأسماء كما أن صفاته أكمل الصفات فلا تعدل عما سمى به نفسه إلى غيره كما لا تتجاوز ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله إلى ما وصفه به المبطلون والمعطلون"اهـ

5-   أسماء الله سبحانه وتعالى مشتقة من صفاته وأفعاله.
 فهي ذات معان معروفة في لغة العرب وليست مجرد أعلام محضة، وهذا الاشتقاق مشروط بالتوقيف، فلا نذكر له من ذلك اسما إلا بما ثبت اشتقاقه شرعا.
ولا يجوز أن يشتق له اسما على وجه الإطلاق من الأفعال التي وردت مقيدة كأفعال مخصوصة.
قال ابن القيم في المدارج:
"الفعل أوسع من الاسم ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالا لم يتسم فيها بأسماء الفاعل كأراد وشاء وأحدث ولم يسمَّ بالمريد والشائي والمحدث كما لم يسمِّ نفسه بالصانع والفعال والمتقن وغير ذلك من الأسماء التي أطلق أفعالها على نفسه فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء"اهـ
وقال في طريق الهجرتين:
"ومن هنا يُعلم غلط بعض المتأخرين وزللـه الفاحش في اشتقاقه له سبحانه من كل فعل أخبر به عن نفسه اسما مطلقا فأدخله في أسمائه الحسنى، فاشتق له اسم الماكر والخادع والفاتن والمضل والكاتب ونحوها من قوله" ويمكر الله" ومن قوله" وهو خادعهم" ومن قوله" لنفتنهم فيه" ومن قوله" يضل من يشاء" وهذا خطأ من وجوه…"اهـ
والحمد لله ذي الأسماء الحسنى

ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها
خلاصة المعنى للأسماء الحسنى
 كن مع الله

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دليل الخلق والإيجاد

محالات العقول ومحاراتها

مقدمة جواب شبهة التوسل(١)

وجود الأدلة العقلية في الأدلة النقلية

جواب شبهة التوسل النقلية(٢)