العزيز

 

خلاصة المعنى للأسماء الحسنى (١٦)

الحمد لله ذي العزة جميعا ليس له مثيل، والصلاة والسلام على رسوله الجليل، أما بعد:

فمن أسماء الله الحسنى (العزيز [١٦]) وهو كثير الورود في القران، فقد جاء في اثنتين وتسعين موضعا، اقترن في أكثرها باسم الحكيم في ستة وأربعين موضعا.

قال تعالى: {فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم } [سورة البقرة:209]. وقال: {إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام } [سورة إبراهيم:47]. وقال: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيم } [سورة الشعراء:9].


•  المعنى اللغوي:

قال في لسان العرب: " والعز في الأصل: القوة والشدة والغلبة، والعز والعزة: الرفعة والامتناع" اهـ

وفي معجم مقاييس اللغة: " العين والزاء أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على شدّةٍ وقوّةٍ وما ضاهاهما، من غلبةٍ وَقهر" اهـ

قال الخطابي في شأن الدعاء: "والعز في كلام العرب على ثلاثة أوجه. 

أحدها: بمعنى الغلبة، ومنه قولهم: من عز بز، أي: من غلب سلب، يقال منه: عز يعز -بضم العين- من يعز. ومنه قول الله سبحانه: (وعزني في الخطاب)

والثاني: بمعنى الشدة والقوة. يقال منه: عز يعز -بفتح العين- من "يعز"، كقول الهذلي -يصف العقاب-:

حتى انتهيت إلى فراش عزيزة ... سوداء روثة أنفها كالمخصف

جعلها عزيزة، لأنها من أقوى جوارح الطير.

والوجه الثالث: أن يكون بمعنى نفاسة القدر. يقال منه: عز الشيء يعز -بكسر العين- من يعز" اهـ 

قال ابن القيم في جلاء الأفهام عن اللغة: "وأنهم في الغالب يجعلون الضمة التي هي أقوى الحركات للمعنى الأقوى والفتحة الخفيفة للمعنى الخفيف والمتوسطة للمتوسط فيقولون عز يعز بفتح العين إذا صلب وأرض عزاز صلبة ويقولون عز يعز بكسرها إذا امتنع والممتنع فوق الصلب فقد يكون الشيء صلبا ولا يمتنع على كاسره ثم يقولون عزه يعزه إذا غلبه قال الله تعالى في قصة داود عليه السلام وعزني في الخطاب والغلبة أقوى من الامتناع إذ قد يكون الشيء ممتنعا في نفسه متحصنا من عدوه ولا يغلب غيره فالغالب أقوى من الممتنع فأعطوه أقوى الحركات والصلب أضعف من الممتنع فأعطوه أضعف الحركات والممتنع المتوسط بين المرتبتين فأعطوه حركة الوسط" اهـ


 معناه في حق الله:

يدل على أربعة معان كلها صحيحة:

1-  عزة القوة:

قال ابن جرير في موضع من تفسيره: " القوي الذي لا يعجزه شيء أراده" اهـ

2-  عزة الغلبة والقهر:

قال الزجاج في تفسير الأسماء: " والله تعالى هو الغالب كل شيء فهو العزيز الذي ذل لعزته كل عزيز" اهـ 

وقال ابن كثير في موضع: " هو {العزيز} الذي قد عز كل شيء فقهره وغلبه، ودانت له العباد والرقاب" اهـ

وقال الطبري في موضع من تفسيره: " "العزيز"، فلا يغلبه غالب، ولا يقهره قاهر، بل يغلب كل شيء ويقهره" اهـ 

وقال ابن جرير في موضع: " العزيز في انتقامه ممن كفر به، الذي لا يمنعه إذا انتقم من عدو له شيء" اهـ

3-  عزة الامتناع:

وقال الخطابي في شأن الدعاء: " العزيز: هو المنيع الذي لا يغلب" اهـ

قال الحليمي: "ومعناه: الذي لا يوصل إليه ولا يمكن إدخال مكروه عليه، فإن العزيز في لسان العرب من العزة وهي الصلابة" اهـ

وقال القرطبي في تفسيره: " {والْعَزِيزُ} معناه المنيع الذي لا ينال ولا يغالب" اهـ

وفسره ابن كثير على هذا المعنى والذي قبله فقال:

"العزيز هو: المنيع الجناب، الذي لا يغالب ولا يمانع، بل قد قهر كل شيء" اهـ


وقد فسرها ابن القيم وغيره على الثلاث المعاني السابقة:

قال في المدارج:

"والعزة يراد بها ثلاثة معان: عزة القوة، وعزة الامتناع، وعزة القهر، والرب تبارك وتعالى له العزة التامة بالاعتبارات الثلاث " اهـ

وقال في النونية: 

" وهو العزيز فلن يرام جنابه ... أنى يرام جناب ذي السلطان

وهو العزيز القاهر الغلاب لم ... يغلبه شيء هذه صفتان

وهو العزيز بقوة هي وصفه ... فالعز حينئذ ثلاث معان" اهـ

وقال السعدي في تفسيره: " العزيز: الذي له العزة كلها: عزة القوة، وعزة الغلبة، وعزة الامتناع. فامتنع أن يناله أحد من المخلوقات، وقهر جميع الموجودات، ودانت له الخليقة وخضعت لعظمته" اهـ

4-  عزة التفرد: وقد ذكرها بعضهم

قال الخطابي عن أوجه معنى العزة في اللغة:

"والوجه الثالث: أن يكون بمعنى نفاسة القدر. يقال منه: عز الشيء يعز -بكسر العين- من يعز" فيتأول معنى العزيز على هذا، أنه الذي لا يعادله شيء، وأنه لا مثل له، ولا نظير" اهـ

وفسره القرطبي في موضع من تفسيره بهذا والمعنيين السابقين له فقال: " والله هو العزيز الذي لا مثل له ولا شبيه. وقيل: "العزيز" الذي لا يغلبه غالب. وقيل: "العزيز" المنيع في ملكه وسلطانه" اهـ

 

•  وجميع هذه المعاني صحيحة في حق الله سبحانه وتعالى لقوله تعالى: 

{فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} [سورة النساء:139].


* قلت في منظومة روضة الموحد 

وأنه (العزيـز) فهـو  الممـتنـعْ

والغالب، القويُّ، هاك وارتفِعْ


وزاد  البعـض  عــزة   التـفــردِ

بمـعــنى   لا مثيـــل   لا تنــددِ


•  العزة وكمال الله وتوحيده:

قال في المدارج: " وهذه العزة مستلزمة للوحدانية، إذ الشركة تنقص العزة، ومستلزمة لصفات الكمال؛ لأن الشركة تنافي كمال العزة، ومستلزمة لنفي أضدادها، ومستلزمة لنفي مماثلة غيره له في شيء منها" اهـ


•  اقتران العزيز بالحكيم:

لقد جاء في مواضع كثيرة بلغت ستة وأربعين موضعا، وفي جميعها تقدم اسم العزيز على الحكيم.

قال ابن عثيمين في القواعد المثلى:

"مثال ذلك: "العزيز الحكيم" فإن الله تعالى يجمع بينهما في القرآن كثيرًا. فيكون كل منهما دالا على الكمال الخاص الذي يقتضيه، وهو العزة في العزيز، والحكم والحكمة في الحكيم. والجمع بينهما دال على كمال آخر، وهو أن عزته تعالى مقرونة بالحكمة، فعزته لا تقتضي ظلما وجورًا وسوء فعل، كما قد يكون من أعزاء المخلوقين، فإن العزيز منهم قد تأخذه العزة بالإثم فيظلم ويجور ويسئ التصرف. وكذلك حكمه تعالى وحكمته مقرونان بالعز الكامل، بخلاف حكم المخلوق وحكمته فإنهما يعتريهما الذل" اهـ


ومن لطائف هذا الاقتران ما جاء عن بعض الأعراب أنه سمع قارئا يقرأ، والسارق والسارقة إلى آخرها، ولكنه ختمها بقوله والله غفور رحيم، فقال ما هذا كلام فصيح، فقيل له ليس التلاوة هكذا ولكن القارئ أخطأ فيها، وهي (والله عزيز حكيم) فقال بخ بخ، عز فحكم فقطع"

وقال في بدائع الفوائد عن وجه تقديم العزيز على الحكيم عند الاقتران:

"وجه التقديم: أن العزة كمال القدرة والحكمة كمال العلم وهو سبحانه الموصوف من كل صفة كمال بأكملها وأعظمها وغايتها فتقدم وصف القدرة لأن متعلقة أقرب إلى مشاهدة الخلق وهو مفعولاته تعالى وآياته، وأما الحكمة فمتعلقها بالنظر والفكر والاعتبار غالبا وكانت متأخرة عن متعلق القدرة.

 وجه ثان أن النظر في الحكمة بعد النظر في المفعول والعلم به، فينتقل منه إلى النظر فيما أودعه من الحكم والمعاني.

 ووجه ثالث: أن الحكمة غاية الفعل فهي متأخرة عنه تأخر الغايات عن وسائلها فالقدرة تتعلق بإيجاده والحكمة تتعلق بغايته فقدم الوسيلة على الغاية لأنها أسبق في الترتيب الخارجي" اهـ


•  خاطرة:

من أراد العزة، فليطلبها ممن هي بيده، الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء، ولقد أرشدك سبحانه إليها فقال: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [سورة فاطر:10]. فهذا طريقها الوحيد، وأما الطرق الأخرى فكلها خادعة، وقد حذرنا الله منها فقال: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا } [سورة النساء:139].

وأخيرا فقد أبان الله لمن العزة، فإن كنت تريدها فكن منهم قال تعالى:

{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُون} [سورة المنافقون:8].

والحمد لله رب العالمين


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دليل الخلق والإيجاد

محالات العقول ومحاراتها

مقدمة جواب شبهة التوسل(١)

وجود الأدلة العقلية في الأدلة النقلية

جواب شبهة التوسل النقلية(٢)