الكبير
خلاصة المعنى للأسماء الحسنى (١٥)
الحمد لله الكبير، الذي هو أكبر من كل شيء وأعظم، وله الكبرياء في السماوات والأرض.. أما بعد:
(#الكبير [١٥]) من أسماء الله الحسنى وقد ورد ذكره في سبع مواضع من القرآن، وجاء في جميعها مقترنا باسم دال على العلو وهو العلي في جميعها إلا في موضع فالمتعال.
قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال} [الرعد:9].
وقال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير} [الحج:62].
• المعنى اللغوي:
من العظمة، والكبرياء، والشرف والعز، وخلاف الصغر.
• معناه في حق الله:
فيه ثلاثة أقوال كلها صحيحة، وهي من معاني الاسم الصريحة:
1- العظمة والجلالة وكبر الشأن.
قال الزجاجي في اشتقاق الأسماء: "الكبير: العظيم الجليل، يقال: (فلان كبير بني فلان): أي رئيسهم وعظيمهم ومنه قوله عز وجل: {انا أطعنا سادتنا وكبراءنا} أي عظماءنا ورؤساءنا. وكبرياء الله: عظمته وجلاله ومنه قيل: (كبرت كبيرا) و (عظمت عظيمًا) أي وصفته بالكبرياء والعظمة. ومنه قيل في قصة يوسف: {فلما رأينه أكبرنه} أي هالهن أمره فأعظمنه" اهـ
وقال ابن جرير في تفسيره: " (الكبير) يعني العظيم، الذي كل شيء دونه ولا شيء أعظم منه" اهـ
2- من الكبرياء، بمعنى اسمه المتكبر، كما سيأتي شرحه في محله إن شاء الله.
قال الزجاجي في الاشتقاق: "والكبير: المتكبر، (ورجل ذو كبير) أي ذو تكبر وعظمة" اهـ
وقال الأصبهاني في الحجة: "ومن أسماء الله عز وجل: الكبير: قيل هو مشتق من الكبرياء والكبرياء مما تفرد الله به فمن نازعه الكبرياء قصمه، فلا ينبغي لأحد أن يتكبر على أحد" اهـ
وقال السعدي على آية سبأ: "{الكبير} الذي له الكبرياء في ذاته وصفاته، وله الكبرياء في قلوب أهل السماء والأرض" اهـ
3- أنه أكبر من كل شيء.
قال ابن القيم في الصواعق المرسلة: " فالله سبحانه أكبر من كل شيء ذاتا وقدرا ومعنى وعزة وجلالة فهو أكبر من كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله" اهـ
• قلت في منظومة روضة الموحد:
وهو (الكبير) الأكبر والكبرياءْ
الأعـظم سبحــانـه بـلا مـــراءْ
• اقترانه بالعلي:
قال السعدي في تفسيره لآخر آية الكرسي: "وهو العلي بذاته فوق عرشه، العلي بقهره لجميع المخلوقات، العلي بقدره لكمال صفاته {العظيم} الذي تتضاءل عند عظمته جبروت الجبابرة، وتصغر في جانب جلاله أنوف الملوك القاهرة، فسبحان من له العظمة العظيمة والكبرياء الجسيمة والقهر والغلبة لكل شيء، فقد اشتملت هذه الآية على توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وعلى إحاطة ملكه وإحاطة علمه وسعة سلطانه وجلاله ومجده، وعظمته وكبريائه وعلوه على جميع مخلوقاته" اهـ
• التكبير من أعظم الأذكار:
ولذا جاءت مشروعيته في مواضع جليلة، كالأذان، والصلوات وأدبارها، والسعي والطواف، ورمي الجمرات، وفي الأعياد وعشر ذي الحجة وأيام التشريق، وفي ذبح الأضاحي وغيرها من المواطن والأزمان.
قال تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [البقرة:185]، وقال: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِين} [الحج:37].
وقال تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّر} [المدثر:3]. وقال: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء:111].
وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ". رواه مسلم
قال ابن تيمية في الفتاوى بعد أن ذكر مواضع مشروعية التكبير: " وهذا كله يبين أن التكبير مشروع في المواضع الكبار لكثرة الجمع أو لعظمة الفعل أو لقوة الحال. أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة: ليبين أن الله أكبر وتستولي كبرياؤه في القلوب على كبرياء تلك الأمور الكبار فيكون الدين كله لله ويكون العباد له مكبرين فيحصل لهم مقصودان" اهـ
• معنى التكبير:
فيه معاني الاسم السابق ذكره، ففيه تعظيم الله وتمجيده.
قال ابن تيمية في الفتاوى: "وفي قوله " الله أكبر " إثبات عظمته فإن الكبرياء تتضمن العظمة ولكن الكبرياء أكمل. ولهذا جاءت الألفاظ المشروعة في الصلاة والأذان بقول: " الله أكبر " فإن ذلك أكمل من قول الله أعظم" اهـ
• سر التكبير في الصلاة:
قال الخطابي في شأن الدعاء: " وقدم هذا القول أمام أفعال الصلاة تنبيها للمصلي. كي يخطره بباله عند قيامه إلى الصلاة فلا يشغل خاطرة بغيره، ولا يعلق قلبه بشيء سواه. إذا كان يعلم أنه أكبر مما يشتغل به" اهـ
وقال ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود:
فإن العبد إذا وقف بين يدي الله عز وجل وقد علم أن لا شيء أكبر منه وتحقق قلبه ذلك وأشربه سره استحي من الله ومنعه وقاره وكبرياؤه أن يشغل قلبه بغيره وما لم يستحضر هذا المعنى فهو واقف بين يديه بجسمه وقلبه يهيم في أودية الوساوس والخطرات وبالله المستعان
فلو كان الله أكبر من كل شيء في قلب هذا لما اشتغل عنه وصرف كلية قلبه إلى غيره كما أن الواقف بين يدي الملك المخلوق لما لم يكن في قلبه أعظم منه لم يشغل قلبه بغيره ولم يصرفه عنه صارف" اهـ
• خاطرة:
لا تقلق ولا تيأس وربك الكبير، فإذا واجهتك المصائب، وكثرت أمامك العوائق، فكبره تكبيرا، لتعلم أنه أكبر من كل شيء، وكل شيء أمامه لا يساوي شيء.
فإن كان الكبير معك، فكل شيء يتصاغر أمامك.
ولكن هذا يحتاج إلى التوكل عليه بيقين، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق