العظيم

 



خلاصة المعنى للأسماء الحسنى (١٤)


الحمد لله العظيم، والصلاة والسلام على رسوله الكريم أما بعد:


لقد ورد اسم الله (العظيم)[١٤] في مواضع من القرآن ومن ذلك قوله:

{ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ( ٩٦ )  } [سورة الواقعة]

{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ( ٢٥٥ )  } [سورة البقرة]


ومن السنة الصحيحة:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ". متفق عليه

      وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ ". متفق عليه


•  المعنى اللغوي:

العظيم خلاف الصغير، والتعظيم التبجيل، والعظمة الكبرياء.

قال الزجاجي في اشتقاق الأسماء:

"العظيم: ذو العظمة والجلال في ملكه وسلطانه عز وجل كذلك تعرفه العرب في خطبها ومحاوراتها. يقول قائلهم: من عظيم بني فلان اليوم؟ أي من له العظمة والرئاسة منهم؟ فيقال له: (فلان عظيمهم) ويقولون: (هؤلاء عظماء القوم) أي رؤساؤهم وذوو الجلالة والرئاسة منهم."


•  معناه في حق الله عز وجل يرجع إلى معاني كلها صحيحة:

-  السعة والكثرة والزيادة

-  العظمة والكبرياء والجلال

-  الذي يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه


قال ابن القيم في النونية:

"وهو العظيم بكل معنى يوجب التــ 

    ــعظيــم لا يحـصيــه من إنســــانِ"


      قال السعدي في الحق الواضح المبين:

"واعلم أن معاني التعظيم الثابتة لله وحده نوعان:

أحدهما: أنه موصوف بكل صفة كمال، وله من ذلك الكمال أكمله، وأعظمه وأوسعه، فله العلم المحيط، والقدرة النافذة، والكبرياء، والعظمة، ومن عظمته أن السماوات والأرض في كف الرحمن أصغر من الخردلة كما قال ذلك ابن عباس وغيره وقال تعالى ﴿وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه﴾.

وقال: ﴿إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده﴾.

وقال تعالى وهو العلي العظيم: ﴿تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن﴾ الآية.

وفي الصحيح عنه ﷺ: «إن الله يقول الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما عذبته» فلله تعالى الكبرياء والعظمة، والوصفان اللذان لا يقدر قدرهما ولا يبلغ كنههما.

النوع الثاني: من معاني عظمته تعالى أنه لا يستحق أحد من الخلق أن يعظم كما يعظم الله فيستحق ﷻ من عباده أن يعظموه بقلوبهم، وألسنتهم، وجوارحهم وذلك ببذل الجهد في معرفته، ومحبته، والذل له،

والانكسار له، والخضوع لكبريائه، والخوف منه وإعمال اللسان بالثناء عليه، وقيام الجوارح بشكره وعبوديته، ومن تعظيمه أن يتقى حق تقاته فيطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، ومن تعظيمه تعظيم ما حرمه وشرعه من زمان ومكان وأعمال ﴿ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾ و﴿ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه﴾ ومن تعظيمه أن لايعترض على شيء مما خلقه أو شرعه"اهـ


قال قوام السنة الأصبهاني في الحجة:

"العظمة صفة من صفات الله لا يقوم لها خلق والله تعالى خلق بين الخلق عظمة يعظم بها بعضهم بعضا، فمن الناس من يعظم لمال، ومنهم من يعظم لفضل، ومنهم من يعظم لعلم، ومنهم من يعظم لسلطان، ومنهم من يعظم لجاه وكل واحد من الخلق إنما يعظم لمعنى دون معنى، والله عز وجل يعظم في الأحوال كلها، فينبغي لمن عرف حق عظمة الله أن لا يتكلم بكلمة يكرهها الله، ولا يرتكب معصية لا يرضاها الله، إذ هو القائم على كل نفس بما كسبت"اهـ


•  قلت في منظومة روضة الموحد :

وهو (العظيم) المجد بالجلالِ

 في الذات والسلطان والأفعالِ

والأكـــبر والأكـــمل والأوســـعُ 

 من كـل ما شيءٍ ونحن نخضعُ


•  اقترانه بالعلي:

قال ابن القيم في الصواعق المرسلة:

"وقد شرع الله سبحانه لعباده ذكر هذين الاسمين العلي العظيم في الركوع والسجود كما ثبت في الصحيح أنه لما نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قال النبي اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} قال اجعلوها في سجودكم وهو سبحانه كثيرا ما يقرن في وصفه بين هذين الاسمين كقوله {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة255] وقوله {هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج62] وقوله {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد9] يثبت بذلك علوه على المخلوقات وعظمته فالعلو رفعته والعظمة عظمة قدره ذاتا ووصفا.

وعند الجهمية ليس له علو ولا عظمة إلا ما في النفوس من اعتقاد كونه أفضل من غيره" اهـ


•  تعظيم الله في الركوع:

في حديث ابن عباس الذي أخرجه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ". 

قال ابن القيم في شفاء العليل:

"ثم يرجع جاثيا له ظهره خضوعا لعظمته وتذللا لعزته واستكانة لجبروته مسبحا له بذكر اسمه العظيم فنزه عظمته عن حال العبد وذله وخضوعه وقابل تلك العظمة بهذا الذل والانحناء والخضوع قد تطامن وطأطأ رأسه وطوى ظهره وربه فوقه يرى خضوعه وذله ويسمع كلامه فهو ركن تعظيم وإجلال كما قال صلى الله عليه وسلم: "أما الركوع فعظموا فيه الرب"" اهـ


•  تعظيم حرمات الله وشعائره:

قال تعالى: ﴿ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾ وقال: ﴿ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه﴾.

قال ابن القيم في الداء والدواء:

"فصل

المعاصي تضعف في القلب تعظيم الرب:

ومن عقوبات الذنوب: أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله، وتضعف وقاره في قلب العبد ولا بد، شاء أم أبى، ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه، وربما اغتر المغتر، وقال: إنما يحملني على المعاصي حسن الرجاء، وطمعي في عفوه، لا ضعف عظمته في قلبي، وهذا من مغالطة النفس؛ فإن عظمة الله تعالى وجلاله في قلب العبد تقتضي تعظيم حرماته، وتعظيم حرماته يحول بينه وبين الذنوب، والمتجرئون على معاصيه ما قدروا الله حق قدره، وكيف يقدره حق قدره، أو يعظمه ويكبره، ويرجو وقاره ويجله، من يهون عليه أمره ونهيه؟ هذا من أمحل المحال، وأبين الباطل، وكفى بالعاصي عقوبة أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله، وتعظيم حرماته، ويهون عليه حقه.

ومن بعض عقوبة هذا: أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق، ويهون عليهم، ويستخفون به، كما هان عليه أمره واستخف به، فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الخلق، وعلى قدر تعظيمه لله وحرماته يعظمه الناس، وكيف ينتهك عبد حرمات الله، ويطمع أن لا ينتهك الناس حرماته أم كيف يهون عليه حق الله ولا يهونه الله على الناس؟ أم كيف يستخف بمعاصي الله ولا يستخف به الخلق؟ وقد أشار سبحانه إلى هذا في كتابه عند ذكر عقوبات الذنوب، وأنه أركس أربابها بما كسبوا، وغطى على قلوبهم، وطبع عليها بذنوبهم، وأنه نسيهم كما نسوه، وأهانهم كما أهانوا دينه، وضيعهم كما ضيعوا أمره، ولهذا قال تعالى في آية سجود المخلوقات له: {ومن يهن الله فما له من مكرم} [سورة الحج: 18] فإنهم لما هان عليهم السجود له واستخفوا به ولم يفعلوه أهانهم الله فلم يكن لهم من مكرم بعد أن أهانهم الله، ومن ذا يكرم من أهانه الله؟ أو يهن من أكرمه الله؟" اهـ


•  لطيفة:

قال ابن القيم في الفوائد:

"من عظم وقار الله فِي قلبه أَن يعصيه وقّره الله فِي قُلُوب الْخلق أَن يذلّوه" اهـ

والحمد لله رب العالمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دليل الخلق والإيجاد

محالات العقول ومحاراتها

مقدمة جواب شبهة التوسل(١)

وجود الأدلة العقلية في الأدلة النقلية

جواب شبهة التوسل النقلية(٢)